{ حمل مقالكم بالعدد (1474) بتاريخ 12 يوليو 2016 ذات التغاريد القديمة المنكفئة على الاستهداف الإسرائيلي للإسلام والسودان، بذات النمط المفاهيمي الذي أسسته ثقافة العقل الإسلامي العروبي المغتال من قبل قوى المصالح داخل كياننا المسلم الكبير الذي يهاب التعامل مع إسرائيل وفق معايير قد لا تكون موضوعية وواقعية. وقد استطاع عدد من الأقطار فتح العلاقات على مصراعيها مع إسرائيل، ولم نر أن الإسلام تضرر إلا في حدود المخاوف التاريخية التي أثبتت فشلها.
{ السياسة الخارجية تعتمد على نجاح النظام المتصالح مع شعبه في تقليل الصراعات الداخلية، وخلق سياسة خارجية وفق المنهج المتبع بين الدول صانعة القرار الاقتصادي والعسكري والأقطار المنضوية تحت تصنيف (العالم الثالث)، إلا إذا أرادت مجابهة هذه السياسات العالمية برفع الشعارات الوهمية والادعاء بدنو عذاب أمريكا وحلفائها، ما هكذا تهزم إسرائيل!
{ ما تقدمه إسرائيل لإثيوبيا اقتصادياً وأمنياً وسياسياً ودبلوماسياً يفوق ما يقدمه السودان، ولا مماثلة بينهما، فإلى متى تظل الرؤية نحو الدولة (العبرية) ثابتة ولا يطرأ فيها جديد في أنساق أوجه التكامل والتنافع في حده الأدنى؟
{ الخصومة المتطاولة والعدائية السافرة ضد (الصهاينة) ماذا قدمت للسودان؟ فهل هي من الثوابت الوطنية والعقائدية حتى لو إقامة العلاقة مع اليهود في حدود اتقاء شرهم وليس إتباع ملتهم؟ في الواقع موقفنا تجاه التطبيع مع الدولة العبرية لا ينطلق من ثوابت ومبادئ يحكمها مقتضى ديني ووطني إلا في إطار الحالة النفسية السياسية، والدول التي رحبت بانضمام إسرائيل بصفة (مراقب) في الاتحاد الأفريقي هي يوغندا، كينيا، رواندا وجنوب السودان الذي سميته يا أستاذ “الهندي عز الدين” (جنوبنا المحترق)، فهذه الدولة الوليدة (جنوب السودان) قد وعت أن تستميل عطف (الصهاينة) والاستفادة من تسخير إمكانياتها، والدول الأفريقية التي وافقت بدخول إسرائيل كمراقب في الاتحاد الأفريقي والتي تراها حسب رؤاك ورؤية العقلية السياسية السودانية ليست لها كرامة وعزة ومكانة، فهي على الأقل موقنة أن دولة الكيان الصهيوني تستطيع أن تقدم لها دعماً مادياً وسياسياً لمعالجة مشاكلها وصراعاتها الداخلية والخارجية.
{ فإذا نظرنا للدول الأفريقية التي أيدت ورحبت بإسرائيل ممثلة في الاتحاد الأفريقي، وطبع بعض منها علاقاته بها فإن أوضاعها المعيشية والبيئية لا تقل عن حال السودان إن لم تكن أفضل..!! فماذا كسبنا كشعب سوداني والإسلام من الخصومة ضد الإسرائيليين دون أن نستفيد من علاقاتهم الدولية واقتصادهم القوي، لست من أنصار القطيعة التي لا يسندها مبرر واقعي ومنطق حكيم.
{ ذكرت في معرض مقالك “أستاذ الهندي”: (من يطرح مشاغلنا نحن – شعب وحكومة جمهورية السودان- وعلى أي طاولة إذا كان “حليف” مرتجى يمم شطر مصالحه الخاصة جداً)، ها أنت تعترف وتقر بأن العلاقات الدولية تنبني على المصالح والقوة الاقتصادية، فنظر الإثيوبيون إلى أن مصالحهم مع إسرائيل أكبر من مصلحتهم مع السودان، وهذا واقع وحقيقة ساطعة يجب التعامل معها بالنظرة الماثلة، وأن الخضوع والانصياع إلا لمن يملك المقدرة، فالسودان ليس فيه حكومة تراعي هذا الجانب على الأقل في الوقت الراهن، فكل المحافل والتحالفات التي شارك فيها فشلت بسبب ما ورد من نصوص (عقدية) نهت عن إتباع (مللهم) إتباعاً كاملاً، ولكن الواقع العصري يدعو إلى ضرورة الإبصار في مضمار التداخل والتعاون المحدود لمعرفة كيف تطور هؤلاء الإسرائيليون!
{ إن إسرائيل– كما ذكرت– ما زالت أكبر (عدو) للسودان، والجنوب انفصل برعاية إسرائيلية وواجهة أمريكية ومساعدات من دول الجوار من بينها (إثيوبيا، يوغندا وكينيا). فهل عداوة إسرائيل للسودان بأنه يهدد بزوال دولتهم؟ أما أننا أكثر الدول الإسلامية تطبيقاً للإسلام، ولدينا اقتصاد ينمو بسرعة البرق ولا يتعامل بالربا ونملك ترسانة عسكرية لا تحجبها الشمس، فهذا اعتقاد واهم لا يخرج من نطاق الزعم الزائف وسيادة الرؤية الضبابية على مشهد العلاقات السودانية الإسرائيلية، على أقل تقدير في حدود اتقاء عدوانها.
{ ينبغي تغيير المفاهيم السالبة والمواقف المنبثقة من تفاسير دينية مضللة، فالسودان ليس متضرراً أكثر من فلسطين من الوجود الإسرائيلي أو احتلالهم لهضبة (الجولان) السورية، وبعض من الأراضي اللبنانية، فكل هذه الدول لديها علاقات مع إسرائيل، مما أتاح لها فرص التعرف على حجم هذه الدولة العبرية العدو.
{ دعوتنا هي أن نتعرف عن قرب وبدون تعصب على كيف تمكنت دولة إسرائيل من السيطرة على الاقتصاد العالمي وبنت نظاماً سياسياً ديمقراطياً، وكل الأنظمة الإسلامية والعربية لا يحكم فيها نظام واحد جاء عن طريق الديمقراطية.