في ظلّ اشتداد الأزمة السوريّة، لجأ ما يزيد عن 106 آلاف سوري إلى السودان، بحسب الإحصائيات الرسمية في الخرطوم. وفي الفترة الأخيرة، زاد عدد الواصلين إلى الخرطوم بمعدل ألف سوري شهرياً، علّهم يستفيدون من الميزات التفضيلية التي يمنحها السودان للسوريين، من حقوق في العمل والتنقل والتملك وغيرها من حقوق المواطنة.
ومنذ اندلاع الأزمة السورية، أعلن السودان استعداده لاستقبال السوريّين الفارين من ويلات الحرب، رافضاً معاملتهم كلاجئين وإنما كمواطنين سودانيين، الأمر الذي شجّع كثيرين على التوجه إلى الخرطوم، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها، واختلاف البيئة والثقافة. وقد نجح السوريون في التأقلم مع البيئة السودانية.
وخلال الأعوام التي أعقبت الثورة السورية، انتشرت المنتجات السورية في الأسواق بشكل كبير. أكثر من ذلك، لوحظ تأثير السوريين على السودانيين في ما يتعلّق بالطعام واللباس والأثاث وغيره. إذاً، انتشرت المطاعم السورية الشعبية في مختلف مناطق العاصمة، وإن تركزت بشكل أساسي في الأحياء الراقية، بالإضافة إلى محال الأثاث والملابس السورية والأحذية والمصانع الصغيرة. وكان لهذه المنتجات الجديدة شهرتها، ما جعلها مقصداً للسودانيين.
ونجح بعض السوريين في شق طريقهم في الخرطوم، فيما عانى آخرون نظراً للوضع الاقتصادي الصعب في البلاد، وغلاء المعيشة، وانعدام فرص العمل ومحدوديتها. حتى أن البعض اختاروا التسوّل في الشارع لتوفير لقمة العيش، وبدل إيجار السكن.
في أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة، التقت “العربي الجديد” أسرة سورية تتألف من زوج وزوجة وطفل (6 سنوات) يتسوّلون في الطرقات. يقول الأب إنه جاء وأسرته إلى السودان قبل نحو عام بناء على نصيحة أصدقاء له. لكنّه تفاجأ بغلاء المعيشة والسكن وإنفاق كل ما لديه من أموال. وبعدما عجز عن تأمين فرصة عمل، اضطر إلى التسول في الطرقات لتوفير وجبات طعام وبدل إيجار الشقة التي تخطت حاجز الأربعة آلاف جنيه (نحو 650 دولاراً).
يقول: “بحثت عن أي عمل من دون جدوى. زوجتي أيضاً فعلت الأمر نفسه من دون أن تجد عملاً بدورها”. يضيف أنهم يقضون نهارهم في طلب المال من أهل الخير، برفقة طفليهما. ولا يعرفان إذا ما كانا سيتمكنان من إرساله إلى المدرسة.
أما أبو محمد (32 عاماً)، فيؤكد أنه جاء إلى الخرطوم بطلب من شقيقه، ونجح خلال فترة وجيزة في فتح محل لصناعة الأثاث بعدما كان يعملُ مع أحد السودانيين. يشير إلى أنه تأقلم مع الوضع في السودان خلال السنوات الثلاث التي قضاها فيه. في البلد الجديد، تزوّج بحسب التقاليد السورية، مؤكداً أنهم يعيشون حياة طبيعية تختلف قليلاً عما كانوا يعيشونه في سورية. ويلفت إلى أنهم يعملون طيلة أيام الأسبوع، ويستغلّون عطلتي الجمعة والسبت للراحة والاستمتاع بالوقت إما في شارع النيل أو المنتزهات العامة، فضلاً عن زيارة الأهل والأقارب.
عادة ما تجد السوريين في الأحياء الراقية في الخرطوم. وقد بدأ البعض الانتقال إلى الولايات علّهم يحظون بأوضاع أفضل، وإن كانوا قلة. نجح البعض في تأسيس حياة خاصة، منها افتتاح مدرسة سودانية ـ سورية تحت إسم سمية بنت الخياط، التي تديرها سورية وتضم أساتذة وتلاميذ سوريين وسودانيين، وإن كانت الغلبة للسوريين الذين يمنحون ميزات استثنائية تتعلق بدفع نصف الرسوم المدرسية وغيرها.
وخلال فترة وجيزة، أُطلِقت مجموعة من المنظمات السورية والسودانية لدعم العائلات السورية في السودان، على غرار توفير الغذاء وبدلات الإيجار وفرص عمل، فضلاً عن الخدمات الصحية خصوصاً للمحتاجين. حتى الآن، لم تنجح محاولات المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إقناع الخرطوم بمنح السوريين صفة لاجئ، ليتنسى لها وضعهم في مخيمات وتقديم الخدمات لهم، علماً أن الخرطوم ترفض الخطوة، فضلاً عن أن عدداً من السوريين، خصوصاً رجال الأعمال والتجار القدامى في الخرطوم، قد يُحرمون من حرية العمل والإقامة والتملك والتنقل.
أخيراً، بدأت مفوضيّة اللاجئين حصر عدد السوريين في الخرطوم للبحث عن آليات لدعمهم. ويلفت رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان، محمد أحمد الشايب، إلى ضرورة منح السوريين صفة لاجئ، لتقوم الأمم المتحدة بواجبها حيالهم. يضيف لـ “العربي الجديد” أن الظروف الاقتصادية في الخرطوم لا تساعدها على القيام بتلك المهمة لوحدها، مضيفاً أنها ضرورية لضبط الوجود الأجنبي في البلاد.
العربي الجديد