بدون (واتسآب)

كثير من الثورات الشعبية في العالم التي تطالب بتغيير بعض القوانين أو التغيير (الكلى) فشلت ، والقليل منها نجح ، إحدي هذه الثورات من أجل الحقوق المدنية بدأت شرارتها في الرابعة والنصف من مساء يوم الإثنين أول فبراير عام 1960م، حيث دخل أربعة من طلاب الجامعة السود إلى أحد مطاعم (جرينسبورو) بولاية كارولينا الشمالية، وجلسوا على أحد الطاولات وطلب أحدهم فنجانا من القهوة ليجيبه (الجرسون) :
– نحن لا نقدم خدماتنا للسود على هذه المناضد إذا أردت شيئاً فأذهب إلى المكان المخصص لكم هنالك
ثم أشار لركن قصي حيث يوجد مكان تم تخصيصه للزنوج يتناولون فيه طعامهم وشرابهم وهم وقوف ، إستهجن أولئك الشباب حديث (الجرسون) مما دعاهم أن يبقوا في أماكنهم داخل المطعم ، أغلق المقهى أبوابه وكان من الواضح أن أولئك الشباب الأربعة قد قرروا أن يواجهوا العنصرية المقيتة .
في اليوم التالي عادوا إلى ذات المطعم مع زملاء لهم من الجامعة، 27 شابا و4 فتيات من السود، وقاموا بإحتلال المقهى العنصري (كووولو) من الصباح للمساء، وبعد يومين فقط ارتفع العدد إلى 80 طالب وطالبه من الجامعات والمدارس الثانوية، وفي اليوم الثالث زاد العدد إلى 300 ، وفي الرابع قفز العدد إلى 600 في المقهى وخارجه، وانتشرت فكرة الاعتصام ضد (التمييز العنصري) وشرع طلاب من السود وبعض البيض في تنفيذ الإعتصام في مدن مجاورة، ثم بعد ذلك تجاوز الأمر حدود الولاية إلى ولايات أخرى كانت تزخر بالسود ولم تمر أسابيع ثلاثة حتى كان قرابة السبعين ألف طالب يشاركون في الاعتصامات في كافة ولايات الجنوب الأمريكي، لم تقف الشرطة مكتوفة الأيدي بل واجه الثائرون قمعا فظاً لا مثيل له ومعاملة غير آدمية حيث تم إعتقال الآلاف من السود، وقام بعض المتطرفين البيض المسلحين بقتل العديد من المتظاهرين والتخلص من جثثهم ، لكن الثورة كانت مستعرة لا تهدأ، حدث هذا بغير بريد الكتروني ولا فيسبوك ولا تويتر ولا (واتسآب) !
لقد واجه النشطاء الأربعة الذين أشعلو فتيلة هذه الثورة في ذلك المطعم خطرا كبيرا ، فقد تدخلت السلطات برجال بيض من (الشرطة) كان همهم البحث عن أولئك الشباب والقضاء عليهم ، كما ظهر متطرفون من جماعة (كوكلكس كلان) العنصرية في مسرح الأحداث، لم يقتصر الأمر على ذلك ، فقد قتل ثلاثة ناشطين في مسيسبي وأحرقت عشرات من كنائس السود وبيوتهم، وطارد المتطرفون البيض المسلحون ناشطي الثورة في الشوارع وقاموا بالإعتداء عليهم بوحشية وقتلوا منهم عددا كبيرا، وهنا آثر البعض السلامة و لم يستمر كل من بدأ حركة (التغيير) حيث تراجع البعض وفشلت (ثورة التغيير) التي بدأها أولئك الشباب الأربعة ، فماذا دفع البعض للاستمرار في المواجهة والبعض الآخر للفرار مع أن الجميع كان مؤمناً بالقضية؟
يقول خبراء الإجتماع (في هذا الشأن) بأن الإستمرارية تكون دائماً لمن كانت لهم علاقات وطيدة ببعضهم البعض ، أما الناشطين الأفراد الذين يكونون وحيدين في مثل هذا الحراك فهم يفقدون القدرة على الإستمرار (يعني القصة عاوزة تنظيم) فزملاء الدراسة (مثلا) من العار على أحدهم أن ينسحب تاركا رفاقه في المعركة كما أن وجود رفاقه حوله في الميدان يشجعه على المضي قدما ويؤنسه في مواجهة القمع ويجعله مستعداً بالتضحية حتى بحياته !
ما يستفاد من القصة :
• الواتسآب والفيسبوك وغيرههما من الشبكات الاجتماعية تقوم على روابط ضعيفة تتجمع فيها المعلومات المتاحة، بدون روابط قوية تعين على الثبات في مواجهة الخطر، لهذا تصلح للتنوير وليس للتغيير
• تسهل شبكات التواصل الإجتماعي للناشطين التعبير عن آرائهم ومواقفهم ، لكنها لا تضمن لهذا التعبير أن يكون له أي أثر ملموس في تغيير أي شيء على أرض الواقع .
• نجاح أي حملة أو دعوة على شبكات التواصل يعتمد على معرفة الناشطين الوثيقة بعضهم ببعض (يعني ما يكونو لحم راس) .
• تحريك الجماهير يحتاج لتيار منظم كتيار الحقوق المدنية في أمريكا (الستينات) وحتى ينجح لابد أن تشارك فيه التيارات السياسية جميعها !

• كسرة :
يا حليل التيارات السياسية عندنا … (الأب) معارض و(الإبن) مساعد رئيس ! هات الحبووب يا ولد !!
• كسرة ثابتة (قديمة) :أخبار ملف خط هيثرو العند النائب العام شنو؟ 80 واو – (ليها ستة سنوات و 9 شهور) ؟• كسرة ثابتة (جديدة):أخبار تنفيذ توجيهات السيد الرئيس بخصوص ملف خط هيثرو شنو؟ 39 واو (ليها ثلاث سنوات وأربعة شهور)

Exit mobile version