تصحو كعادتها على صوت أذان الفجر لتؤدي فروضها، تلبس ملابسها ومن ثم تقفل دولابها، ومن بين الأشياء المهمة في الصباح هو شحن الهاتف المتحرك ليساعدها في إرسال رسالتها الصباحية على آلاف من المتابعين في فيس بوك وتويتر والواتساب والانستجرام، ومن المهم أن تتأكد من التفاعل الإلكتروني المثالي من خلال اللايكات والتغريدات والبرودكاست فهذا التفاعل بحد ذاته كفيل أن يضيف لصباحها بريق ورونق خاص.
من عشر سنوات كان الأصدقاء لدى البعض لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، أما اليوم ستجد البعض يتفاخرون أمامك لأن لديهم آلاف الأصدقاء في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن لم صار البعض يفضل ويركز على تكوين الصداقات في العالم الافتراضي أكثر من العالم الواقـــعي؟ صحيح أن مواقع التواصل الاجتماعي من أفضل الوسائل التي يستخدمـــها الكثيرون للحــصول على صداقات جديدة، إلا أنها قد تكون سبباً في قطع أطر التــــواصل بيـــن الأصدقاء المقربين.
فللأسف سيطرت التكنولوجيا على حياتنا بصورة كلية وبدلت شكل علاقتنا بالعالم فحولت أقرب الناس إلينا إلى شخصيات افتراضية، فلم يعد شيئاً غريباً أن تجد أسرة في حجرة واحدة ولكن كل واحد ينغمس في عالمه الخاص من خلال هاتفه المحمول ليتفاعل مع الأصدقاء الافتراضيين.
هل سيأتي اليوم الذي تختفي فيه الصداقة الحقيقية؟ وهل سيكون الصديق المفضل هو الذي يطل علينا من نافذة حسابنا على مواقع التواصل الاجتماعي؟
من بين الأصدقاء في العالم الافتراضي تعرفت فتاة على صديقات أصبحن جزءاً من حياتها النفسية والاجتماعية وفي يوم من الأيام أصابها المرض وظهرت عليها الأعراض حتى أصبحت طريحة الفراش. في تلك اللحظة حاولت الفتاة التواصل مع صديقاتها على وسائل التواصل الاجتماعي حتى يهدئوا من روعها فكان الرد «فديتج والله ما اتشوفين شر، الله يشفيج». حينها بدأت تفكر، هل هذا النوع من الأصدقاء الذي تسعى إليه؟ هؤلاء الأصدقاء لا يمسحون دموعنا ولا يحملون لنا باقات الورود للتخفيف عن آلامنا ولا يُحيطوننا عند المرض إلا من رحم ربي.
إن الفجوة الاجتماعية التي حدثت بين الناس والتباعد الناجم عن الانشغال بالأمور الحياتية جعل الكثير منهم يلجؤون إلى تكوين الصداقات في مواقـــع التواصل الاجتماعي والذي يصعب عليهم الجزم بهويتهم الأصلية، ولكنــــهم يتعودون عليهم بشكلٍّ كبير ليعيشوا معهم في عالم غير واقعي منــــفصل عن عالمـــنا الاجتماعي الحقيقي.
الصداقة الحقيقية تدوم طويلاً لأن أساسها قوي فهي مبنية على عشرة يتقاسمها شخصان تجمعهــــما ذكريات مخلدة في ذاكرة الزمان، سواء أكان على مقاعد الدراسة أو في العمل، وتتبلور بينهما صفات مشتركة فى الميول والأفكار والاهتمامات، وهذا ما يضيف على الصداقة قيمتها الحقيقية التي تجعل من الصعب التخلي عنها. الصداقة الحقيقية هي القرب لا البعد، الحب لا الكراهية، الصدق لا النفاق، وهذا ما يجعل الصداقات راسخه لا تتغير بزمان ولا بمكان.
ayesha.aljanahi@gmail.com البيان