الساعة العاشرة مساء امس وانا عائد الى مقر سكني بقرية التمانيات وحيث اني غشيت قريتي الخليلة كان لابد ان امر على طريق زراعي .. وفي منطقة موحشة جدا رأيت إمراة لابسة توب.. لكنها تترنح… كان واضحا جدا انها في حالة سكر شديد… لدرجة انها لم تنتبه لصوت السيارة ولا النور.. اوقفت السيارة وتركت لها حرية التصرف…تجنبا للاصطدام بها… ترنحت خطوتين الى منتصف الطريق… ثم خطوة اخرى في الاتجاه المعاكس وخطوتين مترنحتين حتى دخل جسدها في شجرة شوكية على جانب الطريق.. عندما تجاوزتها رايت انها سيدة ثلاثينية من دولة جنوب السودان…
المشهد تجاوز عندي مجرد سيدة سكرانة… قد يقول قائل دعها تواجه نتائج فعلها…
المشهد كان عندي ان سلفا ومشار يقتتلان وهي تدفع الثمن بعدا وضياع… قد تشرب سيدة الخمرة وبعضها في العرف القبلي امر مباح.. لكنها قطعا لن تصل الى مرحلة الثمالة والضياع…وتذكرت حينها ما رواه لي دكتور كستليو عن ان حرب سلفا مشار دفعت سيدة جنوبية للهرب من اويل باطفالها الثلاثة طالبة الأمن في الضعين.. وكيف ان اسد هاجمها في منطقة تسمى “كير” وخطف اثنان من اطفالها الثلاثة.. ونجت هي والثالث…
المشهد عندي تجاوز الى اشياء اخرى… الاسلام يقول انهن ما اكرمهن الا كريم وما اهانهن الا لئم.. لكن هؤلاء يكرهون السلام على الرغم من هذا الفهم الرفيع.. الله سبحانه وتعالي يقول في القرآن الكريم ما معناه انا كرمنا بني آدم.. جميعهم بدون افصاء او تمييز.. لكن لماذا اهلنا الجنوبيين يكرهون الاسلام والمسلمين… الاجابة تتطلب الرجوع الى قرون خلت..
لكن اعتقد ان الآن الفرصة متاحة لاصلاح الأمر ليس من باب محاولة جعل ثقافتنا، لو كان السلام ثقافة هي السائدة.. لكن لان اصلاح هؤلاء يقع على عاتقنا.. بعض العلماء يقولون ان أمة محمد عليه الصلاة والسلام تشمل كل من شهد الرسالة او جاء بعده.. إذن هذه السيدة من امة محمد عليه افضل الصلاة والسلام… وعلى الجهات الرسمية والمهتمين بامر الدعوة الى الله خاصة الصوفيين مراجعة امر هؤلاء.. انقذوهم من ما هم فيه بدون الالحاح على دخول الاسلام…أجعلوا الهدف انساني بحت بدون اسقاط اي جهويات او ثقافات او اي خلفيات دينية .. فقط انسان يحاول انقاذ انسان لاجل الانسانية فقط.
السيدة كانت تلبس ثوب سوداني على الطريقة السودانية.. هذا يعني انها لا تتحسس من عقدة الاختلافات الثقافية…أذن التقصير منا كلنا..
علي ميرغني