الزعيم وأبناء بلا وطن
* تدور عجلة الزمن بسرعة فائقة.. السنوات تسابق بعضها.. الأعوام تتسرب من بين الأصابع فتسرق الأيام النضرة وتترك التجاعيد الجوفاء على الوجوه دون أن يشعر أحد بأن الشعر تساقط والترهل غطى التقاطيع قبل أن يسكن الضعف المفاصل.. تتقدم الأعمار فتضعف ماكينة الإنتاج وتقل الأعمال؛ إلا أن رحلة إبداع الزعيم عادل إمام الذي بلغ السادسة والسبعين من عمره تؤكد للملأ بيانا بالعمل أن الإبداع لا يشيخ والفن لا يعرف سن اليأس..!
* الإرادة هي السلاح الذي ظل يشهره الزعيم في وجه السنوات كلما تقدم به العمر فها هو يوقع عقد فيلم جديد يناقش قضية الأطفال المشردين تحت عنوان (أبناء بلا وطن) رغم النقد الذي تعرض له عقب مسلسله الرمضاني الأخير (مأمون وشركاؤه) الذي لم ينل إعجاب قاعدة الزعيم نسبة لتقليدية الموضوع الذي تناوله المسلسل ودورانه في فلك البخل بطريقة سطحية؛ كما أن المشاهد الكثيفة التي ظهر بها عادل إمام كانت غارقة في العادية واتسمت بضعف الإيقاع وبطء زائد ولم تظهر قدراته التمثيلية ..!
* أكثر ما يمكن أن يميز فنانا إن كان مغنياً أو ممثلاً هما (الصدق والإرادة)؛ والزعيم يجمعهما معاً تماماً كالراحل محمد وردي الذي كان صادقاً في أعماله التي يغنيها، وفي اختياراته للنصوص الشعرية، وفي معايشته للأنغام وتعبيره عن الألحان، وفي حبه للفن الذي ظل راهباً في معبده، حتى أغمض إغماضته الأخيرة قبل أربع سنوات، وإن ظل وردي يتواصل مع جمهوره ويغني في الحفلات (جالساً على كرسي) بعد تجاوزه الثمانين عاماً وذاك عمر يصعب فيه المشي على الأرض دون مساعدة، ناهيك عن الصدح بالغناء في أكبر الاحتفالات والحفلات؛ فإن عادل إمام لم يرم المنديل وإن كانت شخصياته التي يجسدها تأتي محدودة الحركة ويفصلها يوسف معاطي فيه دوره على مقاس عمره ..!
* عرف الناس مع عادل إمام أن الكوميديا تمثل فن النقد الرفيع بأسلوب ساحر وسيناريو ساخر.. كانت أعماله تهبش عصب السياسة بذكاء وتقترب من القضايا الاجتماعية الشائكة بحرفية عالية.. قالوا إنه يمثل (صوت السلطة) عندما قدم أفلاماً تنتقد الجماعات الإسلامية وتصورها على أنها مجرد مجموعات إرهابية لا علاقة لها بالدين والإسلام ورغم ذلك ظلت شاشة أعماله الأكثر بريقاً وإقبالاً وجاذبية.. سيطر على النجومية المطلقة لأكثر من ثلاثة عقود من عمر الزمان بالرغم من أن كثيرا من النقاد عابوا عليه تشابه الأدوار أحياناً ومغازلة الشباك و(الشباب) بمشاهد ساخنة الاستغناء عنها لا يؤثر على فكرة العمل والإبقاء عليها لا يشكل أدنى إضافة فنية.. امتلك المفاتيح ووصل إلى مرحلة أكدت على عبقريته بتجاوزه للذين سبقوه وتفوقه على أنداده ووصوله إلى سقف يصعب تحطيمه من قبل الآتين من بعده..!!
* أثبتت الأيام خطل المقارنات الشتراء بين عادل إمام ومحمد هنيدي أو أحمد حلمي ومحمد سعد وغيرهم، ولكن ذلك لا يقلل من الإضافات التي صنعها الشباب؛ ولا يمنع من التأكيد على موهبة هنيدي مثلاً وعزيمته الفولاذية وهو ينتقل ببراعة عالية من ممثل في (الصف الثاني) لسنوات طوال لتصدر قائمة النجوم بعد مسيرة حافلة بالمعاناة..!!
* مقارنة أي ممثل مصري منذ أن عرفت المحروسة فن السينما وحتى الآن بعادل إمام تمثل مغامرة خاسرة ولن يجني طارحوها أدنى فائدة، فالزعيم لا يعلى عليه وتاريخه يشهد له ويكفي أنه رجل من إرادة ..!!
نفس أخير
* الزعيم إرادة لا تلين ..!