٭ وما زلت (أتسكع) في بلاد الكفار.. وما زالت الدهشة تملأ روحي حتى تتدفق.. هناك الشعب هو (السيد) وهناك الوزير والمسؤول هو (الخادم).. وهناك يخالفون وينتهكون بعض نصوص (الإنجيل) المتعلقة بالسلوك الشخصي.. إنهم يشربون الخمر ويلعبون الميسر و(الربا) عندهم له مدارس وجامعات ومعاهد.. يفعلون أشياء يخجل منها حتى الشيطان ولكن يلتزمون ببعض نصوص (كتابهم المقدس) إلى مرحلة التقديس.. إنهم لا يكذبون مطلقاً.. أبداً.. أبداً الكذب عندهم مرحلة تبلغ أدنى درجة من الإنحطاط والفساد الأخلاقي القبيح.. الاستقالة عند الإخفاق أمر حتمي لا مندوحة ولا هروب منه مطلقاً .. وقد أوردت لكم كيف غادر (نكسون) البيت الأبيض عندما أجاب على سؤال المحققين.. هل كنت تعلم بأجهزة تنصت أم لا.. أجاب نكسون كنت أعلم.. رافضاً نصيحة زوجته التي قالت له في لحظة ضعف إنساني وأخلاقي لماذا لا تكذب وتقول لا أعلم .. وكيف أجاب نكسون بأنه لو كذب وقال لا سيظل رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية ولكنه سوف يخسر نفسه.. وأظن أن الرجل قد تذكر قول السيد المسيح.. في (الإصحاح) .. (ماذا يفيد المرء لو ربح العالم كله وخسر نفسه).
٭ ونعود إلى (ديفيد كمرون) رئيس الوزراء البريطاني الذي أهدانا كل هذه السلسة التي أوجعتني وأوجعتكم بها.. فقد استقال الرجل من منصبه ذاك الخطير.. فقط لأن الشعب البريطاني قرر عبر صناديق استفتاء أنظف من (صحن الصيني).. قرر الخروج من الاتحاد الأوربي فقرر الرجل الذهاب إلى بيته لأنه أخلاقياً كان مع البقاء في الاتحاد الأوربي ولأنه صعب عليه أن يظل رئيساً لمواطنين يرون خلاف ما يرى.
٭ وأحزم حقائبي و(أحاسب) الفندق.. و(أتكل على الله) و(بالمترو) أصل إلى (هيثرو) وأتذكر (الفاتح جبرة) وأتذكر سؤاله الذي لن يجد إجابة عليه إلا في ذاك اليوم الرهيب عندما تكون الجبال كالعهن المنفوش.. ويكون الناس كالفراش المبثوث.. وحين تسعر (جهنم) ببعض أحبابنا الذين(باعوا) (هيثرو) و(باعوا) معه (حاجات كتيرة خلاص) كانت ملكاً لنا ورثناها جداً عن جد.. المهم أعود إلى الخرطوم لأجد أن أدب الاستقالة هنا هو رابع مستحيلات العالم والتي تقرأ الآن.. العنقاء والخل الوفي واستقالة وزير أو مسؤول ولزوم بيته وحتى أكون منصفاً وعادلاً دعوني أقول إن الاستقالة الوحيدة التي (سمعت بها) طيلة سبع وعشرين سنة وهي عمر الإنقاذ كانت من السيدة الفاضلة والوزيرة المحترمة أميرة الفاضل التي تتربع في مساحة واسعة من قلوب الشعب إعجاباً واحتراماً وتوقيراً.
٭ ودعوني أهمس في أذن وزيرتين.. بل دعوني أحرضهما على الاستقالة التي توقعها الشعب منهما حتى تزاحما الوزيرة أميرة في مكانتها الشاهقة في أفئدة الشعب.. إنهما ستخسران الوزراة ولكنهما سوف تربحان أولاً نفسيهما وكل الشعب السوداني النبيل.