٭ في منتصف شهر يناير من العام ٢٠٠٩ استدعى الرئيس جورج بوش نائبه ديك شيني لغرفة اجتماعات صغيرة بالبيت الأبيض..في هذه اللحظة كان كل من الرجلين ينفذ داخل عقل الآخر..توجه الرئيس بوش بعينيه الحادتين إلى حيث الرجل الذي يكبره بخمس سنوات قائلاً” ديك لدي أخبار سيئة” هنا أدرك شيني أن الرئيس يعني أنه لن يصدر عفواً رئاسياً عن سكوتر ليبي مدير مكتبه الذي أدين بالكذب في المحكمة، في قضية كشف اسم أحد عملاء المخابرات الأمريكية.. رد شيني بعنف غير معتاد” السيد الرئيس أنت تترك رجلاً جريحاً بأرض المعركة”..كتب الرئيس بوش في مذكراته أنه لم ير نائبه محبطاً خلال ثمانية أعوام كما رَآه في ذلك النهار..الإحباط سببه أن الرؤساء الأمريكان اعتادوا على التوسع في العفو الرئاسي في الأسبوع الأخير من مغادرة البيت البيضاوي.
٭ تحدث أمس الأول إبراهيم محمود نائب رئيس الحزب الحاكم أن بلاده تتوقع رفع العقوبات الأمريكية عن السودان في مقبل الأيام.. حامد كان يتحدث إلى صحيفة روسية .. بشريات الرجل تقوم على أن بلادنا ستقوم بمساعدة أمريكا في الحرب على الإرهاب، وكذلك في الحد من تجارة البشر..ثم أضاف نائب الرئيس قضية الاستقرار في جنوب السودان، وكذلك أفريقيا الوسطى.
٭ قبل أن نعود إلى اجتهادات إبراهيم محمود نأخذ القاريء الكريم إلى اجتماع عقد في أديس أبابا ..السيد دونالد بوث مندوب أوباما للسودان اجتمع بقادة المعارضة البارزين..المبعوث كان واضحاً لدرجة الوقاحة في مخاطبته لرموز المعارضة..أخبرهم الرجل أن بلاده تدعم خارطة الطريق التي أعدها ثامبو أمبيكي وحثهم على الإسراع في التوقيع..الموقف الأمريكي يبحث عن نصر في السودان ليكتب به حسن الخاتمة السياسية للرئيس أوباما..أسطورة أوباما قامت على ايقاف حروب أمريكا في الخارج، وصناعة سلام في بقاع ملتهبة من العالم..انتهت سنوات أوباما ونجح جزئياً في الخروج من العراق الملتهب وأفغانستان غير المستقرة ..فشلت كل جهود الرئيس أوباما في صناعة تسوية في الشرق الأوسط.
٭ في تقديري ترتكب حكومة السودان خطأً كبيراً في التلويح العلني بالمساعدة في حرب الإرهاب ..مثل هذه الملفات لا يستحسن الجهر بها لأنها تمكن للصورة السالبة لبلدنا باعتبارها حاضنة للإرهاب ..هذا الملف أصلاً لم يتوقف العمل فيه ولا يجب..الحرب على الإرهاب يحب أن تكون موقفاً أخلاقياً لا سياسياً..في ملف تجارة البشر السودان دولة عبور باعتبارها لا تملك شاطئاً موازياً لأوربا ..أي تعاون يوحي أن بلدنا ربما تختار أن تكون مخزنا للاجئين، أو في رواية أخرى سجناً كبيراً لهم ..هذه القضية لا تمس الأمن القومي الامريكي باعتبار أن اللاجئين الأفارقة الذين يركبون البحر محطتهم ستكون للدول الأوربية القريبة لا أمريكا البعيدة ..هذا يعني أن الشيخ إبراهيم محمود يبيع البضاعة الخطأ في السوق غير الصحيح.
٭ في تقديري ..إن المعارضة تحاول تجميد الملف السوداني لحين وصول هيلاري كلنتون للمكتب البيضاوي بعد ستة أشهر كما هو متوقع..من الأفضل للحكومة السودانية أن تبذل تنازلات سريعة لتستغل نهم إدارة أوباما لتحقيق إنجاز سياسي..إدارة أوباما تدرك جيداً أن عامل الزمن لن يمكنها من صناعة سلام في جنوب السودان، لهذا ستركز على تسوية شاملة في السودان.
* بصراحة..إذا تمكنت الخرطوم من تحريك قطعة الشطرنج المناسبة ستكسب المعركة.. أما إذا ما مارست تضخيم الذات ستهدر فرصة الـ (١٨٠) يوماً المتبقية للنجاة.