تحتاج كثير من المناطق بالبلاد إلى مشاريع تنموية ضخمة لا سيما في مجالات البنى التحتية والتعليم والصحة، الأمر الذي يتطلب توفير قدرات تمويلية هائلة لتنفيذها، والشاهد أنه بعد خروج البلاد من منطقة النقد الإسترلينية في عام 1962 واعتبار السودان منطقة نقدية منفصلة، شرعت الحكومات المتعاقبة على البلاد في المضي على اتجاهين لا ثالث لهما من أجل التنمية ونهضة بالبلاد، أحدهما يتمثل في تشجيع الاستثمار المحلي من خلال ترغيب الجمهور في استثمار رؤوس أموالهم بشتى السبل، أما الثاني فهو الاستعانة بالاستثمارات والمعونات الخارجية، بحيث تقوم الحكومة بتشجيع استثمار رأس المال الأجنبي بالسماح للمستثمرين الأجانب بتوظيف أموالهم في السودان، وتحويل ما يوازي فائدة رأس المال من دون أي شروط، كما يحق لهم استعادة رؤوس أموالهم وتحويلها إلى بلدانهم الأصلية من دون أي قيود، كما قامت الحكومة باستلاف قروض عديدة من بعض الدول الأجنبية والهيئات الدولية بغرض تمويل مشاريع التنمية.
*فلاش باك
في بادئ الأمر تلقت البلاد العون للتنمية من عدة جهات على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، بجانب بعض الدول الأوربية، منها بريطانيا وألمانيا فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد انضمت مؤخراً الصين لركب الدول التي تقدم معونات للبلاد، لا سيما وأن السودان يمثل مدخلاً للصين في أفريقيا، ففي عام 2012 تعهدت الصين بمعالجة كافة المعوقات التي تعترض تمويل مشروعات التنمية في السودان، بجانب تفعيل سحب القروض المخصصة لها،
حيث قامت بكين بتسريع السحب المخصص من القرض الصيني للمشروعات التنموية بشرق السودان والذي يبلغ نحو (300) مليون يوان صيني.
وفي المنحى ذاته كان لدولة قطر القدح المعلى بتقديم دعم لا يستهان به في خطوات التنمية بالبلاد، فعلى سبيل المثال في عام 2011 قامت إحدى المنظمات القطرية الخيرية بتنفيذ مشروعي قريتي (اللفة – الدلكوك) النموذجيتين في شرق السودان بتكلفة (5) ملايين ريال قطري، بالإضافة إلى مشروع طريق كسلا- اللفة البري الذي يربط بين السودان وأريتريا بطول (26) كيلو متراً بتكلفة (45) مليون ريال قطري، والذي كان بتمويل من وزارة الخارجية القطرية، وفي أبريل من العام الجاري وقَّعت وزارة الزراعة مع بنك قطر الوطني اتفاقاً لتمويل شراء القمح من المزارعين خلال الموسم الشتوي بقيمة (500) مليون جنيه، بما يعادل (78) مليون دولار كأضخم مشروع تمويلي يقدمه البنك للبرنامج الخماسي.
*قرارات مفاجئة
وعلى نحو مفاجئ قررت وزارة التعاون الدولي، القيام بعمليات تفتيش ومتابعة وتقييم مشروعات تنموية يجري تنفيذها بتمويل أجنبي في عدد من ولايات البلاد، والوقوف ميدانياً على مستوى تنفيذها وفقاً للخطة الموضوعة ومدى استفادة المواطنين من المشروعات التنموية، وبارك خبراء الاقتصاد الخطوة في ظاهرها، وقال الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي لـ (آخر لحظة) من حيث المبدأ فإن المتابعة والمراجعة والتدقيق أمر مطلوب، وإن من واجب الحكومة القيام بذلك بغرض التأكد من أن مثل هذه المشاريع تمضي بصورة منتظمة، وبحسب ما اتفق عليه خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المتأزمة بالبلاد، وأضاف أن البلاد في حاجة ماسة لمثل هذه المشاريع والخدمات.
*مخاوف وتحوطات
ويبدو أن القرار جاء على خلفية بعض الإشكالات أو المخالفات في بعض المشاريع ولكن الخبير الاقتصادي حسن ساتي يرى أنه ليس من الحكمة إصدار أحكام مسبقة على هذه المشاريع مستدلاً بنجاح كثير من المشاريع الممولة أجنبياً، مؤكداً على ضرورة مراجعة أي عمل تنموي سواء كان بتمويل محلي أو أجنبي، ولكنه عاد ليقول إنه في حال اكتشاف أي مخالفات أو تجاوزات في تلك المشاريع، فعلى الدولة البحث عن معالجات تضمن انسياب وتنفيذ المشاريع بغية استمرارالتنمية.
*أهداف غير معلنة
ولكن رئيس جمعية العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية، راشد التجاني يرى أن المشروعات التي يراد مراجعتها في الغالب هي مشروعات خرجت من الأهداف التي أنشئت من أجلها وعرجت إلى أهداف أخرى غير معلنة، أو أتت من جهات أو منظمات غير مؤيدة للحكومة بحسب قوله، بجانب أن هناك مشاريع لم تحقق الفائدة المرجوة منها، مشدداً على ضرورة مراجعة الآثار التي تعكسها هذه المشروعات على المجتمع، واستبعد التيجاني في حديثه لـ (آخر لحظة) تأثير الخطوة على العلاقات بين البلاد والدول الممولة أو أن يحمل القرار في طياته أبعاداً سياسية.
تقرير: أسماء سليمان
صحيفة آخر لحظة