بعد حملة انتخابية لا مثيل لها، تميزت بالغرابة والشراسة وتحدت مسلمات الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة بحزبيها الجمهوري والديمقراطي، فاز رجل الأعمال الثري دونالد ترامب البالغ من العمر 70 سنة، بجائزة لم يتصورها الكثيرون عندما أصبح المرشح الرسمي للحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة.
وكل ما فعله ترامب خلال 13 شهرا، لم يأت منسجما مع حملات الرئاسة التقليدية، إن كان لجهة تنظيمها أو تمويلها، أو الاعتماد على كوادر حزبية لها خبرات انتخابية.
وعندما وقف ترامب، في نهاية اليوم الرابع لأعمال المؤتمر العام للحزب الجمهوري المنعقد في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو لقبول ترشيح الحزب، لم يكن هناك ما يدعو لأن يتصرف ترامب بطريقة عادية، وأن يلقي خطابا تقليديا. وعلى مدى أكثر من ساعة رسم ترامب للأميركيين بصوت عال كان أقرب منه إلى الصراخ، صورة قاتمة للأوضاع داخل وخارج الولايات المتحدة، وقال إن ترشيحه جاء في فترة تاريخية صعبة “يهيمن فيها الفقر والعنف في الوطن، والحروب والدمار في الخارج”. الخطاب الطويل كان أكثر خطاب غاضب يلقيه مرشح عن حزب رئيسي في البلاد.
ولكن الخطاب الداكن افتقر إلى الفصاحة اللغوية “التي تميزت بها خطب الرؤساء جون ف. كينيدي ورونالد ريغان وبيل كلينتون وباراك أوباما”، أو الصور الرمزية المتفائلة لمستقبل أميركا، وهو ما يقوله المرشحون في مثل هذه الخطب، لأن ترامب طرح رؤية مغايرة قاتمة ودفاعية وانعزالية، وصوّر نفسه المنقذ الوحيد للبلاد في هذه المرحلة الحرجة “التي يجتاح فيها العنف شوارعنا وتعم الفوضى في أحيائنا”.
وبالغ ترامب كعادته بالتحديات التي تواجهها البلاد، وتحدث عن أميركا وكأنها جمهورية خوف، حين صوّر شوارعها وكأنها ساحات اقتتال بين الشرطة وأفراد العصابات، وتحدث عن اقتصادها وكأنه في حالة كساد خطير، بينما الواقع يبين أن أوباما الذي ورث اقتصادا كان على حافة الإفلاس قبل 8 سنوات قد نجح إلى حد كبير في إحيائه وتخفيض معدلات البطالة بشكل ملحوظ.
وتحدث ترامب بازدراء عن النخبة الثقافية والسياسية والإعلامية، موحيا بأنها فاسدة في العمق، وأنه يأتي لتطهيرها.
وكما فعل في مناسبات عديدة خلال حملة الانتخابات التمهيدية الحزبية، تحدث ترامب كزعيم قوي أكثر مما تحدث كمرشح حزب، وكأنه وحده لديه الحلول لمشاكل البلاد، وقال “لدي رسالة إليكم جميعاً: الجرائم والعنف التي تعانيها بلادنا اليوم سوف تنتهي قريباً. ومع حلول العشرين من يناير- كانون الثاني 2017 سوف يستعاد الأمان”.
وطرح نفسه منقذاً “للمنسيين” في المجتمع، مثل العاطلين عن العمل قائلاً: “أنا صوتكم”. ولكن ترامب، كعادته أيضا، لم يطرح أي فكرة عملية لمساعدة المحتاجين، وعاد إلى موضوعه المفضل، أي شن حملة قاسية ضد نظام الهجرة، وتحديداً أخطار الهجرة غير الموثقة، وحتى الهجرة الشرعية التي رأى أنها حرمت الأميركيين من فرص العمل.
وكان من اللافت أن ترامب لم يكرر دعوته لإصدار منع مؤقت لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة .
وجدد ترامب تصميمه على بناء جدار عازل بين أميركا و المكسيك .
وفي هذا السياق، رأى أن إدارة الرئيس باراك أوباما تريد السماح بدخول آلاف اللاجئين السوريين “رغم عدم وجود آليات للتحقق من خلفية اللاجئين أو من أين أتوا”، وهو ادعاء باطل، لأن فترة التحقق من خلفية اللاجئين تمتد ما بين 18 و24 شهراً. كما بالغ ترامب في عدد العائلات التي دخلت الولايات المتحدة من المكسيك بطريقة غير شرعية.
وبالغ ترامب في حجم عائدات إيران المالية التي كانت مجمدة في المؤسسات المالية الغربية بعد البدء بتطبيق الاتفاق النووي مع طهران، مكررا وبشكل خاطئ أن إيران قد حصلت على 150 مليار دولار بعد الاتفاق.
وكما كان متوقعاً، صعّد ترامب هجومه ضد كلينتون، كما فعل آخرون خلال المؤتمر، وقال إنها خالفت القانون عندما وضعت في منزلها محركاً خاصاً لإدارة بريدها الإلكتروني الخاص خارج إشراف وزارة الخارجية، وركز على أخطائها في #ليبيا.
وبدا ترامب كأنه يريد أن يحمل كلينتون مسؤولية كل ما هو سيئ في العالم. ورسم صورة قاتمة للعالم بعد استلام كلينتون لوزارة الخارجية، فذكر أنه “في 2009 وفي حقبة ما قبل هيلاري لم يكن داعش حتى على الخريطة. وليبيا كانت متعاونة معنا، ومصر كانت في حال سلام، والعراق يشهد انحساراً لمستويات العنف. وكانت العقوبات تخنق إيران. وكانت سوريا تحت السيطرة”.
وأضاف أنه بعد 4 سنوات من وجود كلينتون في وزارة الخارجية ما الذي حصل؟ وأجاب نفسه بنفسه: “انتشر داعش في المنطقة وفي العالم. ليبيا في حال دمار، وسفيرنا وموظفوه قتلوا على أيدي قتلة متوحشين. وتم تسليم مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة، الأمر الذي أرغم الجيش على استعادة السيطرة. والعراق في حال فوضى”. كذلك فإن “إيران في طريقها إلى أن تصبح دولة نووية. والحرب الأهلية تعصف بسوريا، وتسببت بأزمة لاجئين تهدد الغرب الآن”.
وربما كان أخطر ما قاله ترامب هو الكلام الموجه بشكل غير مباشر إلى طغاة العالم قائلا إنه لن يمارس ما كان أسلافه يمارسونه، مثل تنفيذ اتفاقيات الدفاع المشتركة مع الحلفاء التقليديين “إلا إذا دفعوا التزاماتهم المالية للتحالف”، وأنه لن ينتقد الانتهاكات الداخلية للأنظمة المتشددة، عندما امتنع عن توجيه انتقادات لعمليات التطهير الشاملة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأن ترامب يرى أن مشاكل العنف داخل أميركا لا تعطيها الحق الأخلاقي لانتقاد الحكومات الأخرى، وبعث برسالة ضمنية للحلفاء والخصوم بأنه يفضل اعتماد سياسة أكثر انعزالية من أسلافه للتركيز على حل مشاكل البلاد، وأنه لن يتورط في نزاعات الشرق الأوسط .
وكان من اللافت أن ترامب وجه انتقاداً لإدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن، حين قال: “بعد 15 سنة من الحروب في الشرق الأوسط، وبعد إنفاق تريليونات الدولارات وخسارة آلاف الأرواح، الوضع هناك أسوأ من أي وقت مضى”. واعتبر أن هذه المشاكل والحروب تمثل “تركة هيلاري كلينتون: الموت والدمار والضعف، ولكن تركة هيلاري كلينتون يجب ألا تكون تركة أميركا”.
وسارعت هيلاري كلينتون ، التي سيتوجها الديمقراطيون مرشحتهم الرسمية يوم الخميس، للرد في سلسلة من التغريدات على ادعاءات ترامب، ومنها قوله “سوف أكون معكم”، وقالت إن هذا الشعار “لا يشمل النساء والأميركيين ذوي الأصل الإفريقي، والمثليين، والمسلمين، والأميركيين اللاتينيين، والمهاجرين”.
ورفض الرئيس باراك أوباما مقولة ترامب بأن أميركا “على حافة الانهيار، ورؤية العنف والفوضى في كل مكان، لأنها لا تنسجم مع تجربة معظم الناس”.
وفند ادعاءات ترامب أن الجريمة قد زادت خلال ولايتي أوباما، مشيراً إلى أن أعمال العنف في أميركا الآن هي أقل مما كانت عليه خلال عهد الرئيس رونالد ريغان.
وعلى صعيد السباق الديمقراطي، فقد أعلنت هيلاري كلينتون عن اختيار السيناتور تيم كاين الذي يمثل ولاية فيرجينيا في مجلس الشيوخ لمنصب نائب الرئيس. ولقي قرارها صدى جيدا في أوساط الديمقراطيين الذين أثنوا على شخصية ونزاهة كاين، فضلا عن خبرته التنفيذية كحاكم لفيرجينيا، وخبرته التشريعية كعضو في مجلس الشيوخ.
وبعكس مؤتمر الحزب الجمهوري الذي ناقش خلافاته علناً، فإن مؤتمر #الحزب_الديمقراطي الذي سيبدأ أعماله في مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا سوف يكون موحدا إلى حد كبير.
العربية نت