منذ انفصال جنوب السودان وذهاب النفط جنوباً، اعتمد الاقتصاد السوداني الشمالي بشكل شبه كامل؛ على الخدعة الإعلامية، وهذه تعتمد على حشد أكبر رقم يُمكن للمذيع أو الصحفي نطقه وكتابته، ثم اعتمد الترويج للاستثمار بشكل خاص، وهذا اعتمد على الملتقيات الاقتصادية وطرح أرقام مهولة من المشروعات الاستثمارية، ثم تتوالى الأخبار تباعاً، دولة كذا تكشف عن رغبتها في الاستثمار في مجال كذا..دولة كذا تُقدر حجم استثماراتها بكذا، ضخامة الرقم هذه يحسبها الظمآن ماءً، بينما هي في الواقع شبه جامدة، هذا إن كانت حقيقية؛ بل أصبح الدولار يهبط ويصعد وفقاً للتصريحات السياسية التي – فيما يبدو- يتم اختيارها بعناية في الحالتين، نعم عالمياً وفي حالات كثيرة؛ الدولار يهبط ويصعد وفقاً لتصريحات مسؤولين يدركون ماذا يقولون، لكن الفرق أن هناك قولاً يتبعه فعل، فما يقوله المسؤول يقصد فعله، أما في حالتنا هذه فالقول فقط لأجل أن يهبط أو يصعد فقط.
خلال الفترة القليلة الماضية، اعتمد المسؤولون – بشكل لافت – على طريقة “مفاجأة كبرى” ترقبوها.. الرئاسة تعد بمفاجأة، وزير النفط يعلن عن مفاجأة خلال الأيام القادمة..وزير الزراعة يُبشر بمفاجأة ..وزارة المعادن تكاد أن تقول “اغمضوا أعينكم ثم افتحوها”. والسياسة الاقتصادية انتهجت تصدير الشعور العبثي للرأي العام؛ بأن مشكلات الاقتصاد جميعها حُلت بتوقيع عقد مع شركة، أو ملتقى اقتصادي، أو طرح مشروعات متضخمة الأرقام، فارغة الخطط…
منذ انفصال جنوب السودان توالى طرح البرامج الاقتصادية في محاولة لإنقاذ الاقتصاد، ابتداء من البرنامج الإسعافي وليس انتهاء بالبرنامج الخماسي، والنتيجة عجز يعقبه عجز، فشل قطاع الاقتصاد المعني بذلك؛ يعني فشل المنظومة، لأنه لا يستطيع أن يعمل خارج الإطار.
بعضهم يطالب وزير المالية بالاستقالة في أعقاب تفشي الغلاء الذي بلغ مرحلة ليس بعدها إلا ثورة جياع، لكن الأزمة أكبر من وزير مالية تمنحه جامعة الدكتوراة الفخرية تقديراً لما قدمه من(مباصرة)، ولو استقال كل وزراء القطاع الاقتصادي لن تُحل الأزمة..حالة عجز متجذرة وقعت فيها كل مؤسسات الدولة السودانية المعنية بالاقتصاد.
عجلات الإنتاج توقفت تماماً بعد ذهاب النفط جنوباً، وتحركت دون توقف عجلات الألسن التي تبيع الوهم، حجم الكلام الذي اُستهلك في الإعلام عن أرقام الاقتصاد الوهمية وحده كافٍ لتبيان حالة اللا فعل التي سيطرت..وخير دليل عدد البرامج التي تبنتها الدولة لمجابهة فجوة النفط ابتداء من البرنامج الإسعافي انتهاء بالمفاجآت التي لا تتوقف.