في العاصمة البريطانية لندن يصدر كل عام تقرير عن مؤسسة ميرسر، يقوم بترتيب المدن حول العالم من حيث النظافة والجمال والاهتمام بصحة البيئة، وظل هذا التقرير ومنذ العام 2006م يضع الخرطوم في ذيلية القائمة ضمن أكثر 10 مدن سوءاً لدرجة أن تعبير “الخرطوم تعكس وجه قبيح وغير حقيقي للسودان”. أصبح متداولا داخل السودان وخارجه، وربما لا يأتي هذا التصنيف من فراغ إذا نظرنا بالفعل إلى عدم اهتمام المحليات في ولاية الخرطوم بالنظافة وفشل الحكومة في استدامة عمل شركات النظافة أو تحسين المظهر رغم تكوين عدد من الهيئات لذلك الأمر خصيصا وتوفير التمويل اللازم لها لكن كل الجهود دائما ما تذهب أدراج الرياح ويبقى قليل منها لينفع الناس لدرجة أن رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية اللواء عمر نمر أقر أمس الأول أمام مجلس تشريعي الولاية بوجود إخفاقات كبيرة في مجال النظافة.
هجرة ضباط الصحة
المراقبون يرون أن مشكلة النظافة والبيئة في ولاية الخرطوم، وفي كل ولايات السودان لا يتم معالجتها بالصورة الصحيحة باعتبار أن قيام الأجسام المناط بها تنفيذ تلك المهام يهمل استصحاب أهم جانب فيها وهم شريحة ضباط الصحة الذين قامت كل تلك الأجسام، كأجسام موازية لعملهم ومضت لتلقي دورهم وتهميشهم لدرجة أن غالبيتهم فضلوا الهجرة إلى الخارج خاصة المملكة العربية السعودية التي سافر إليها المئات منهم فقد كشفت وزارة الصحة عن استيعاب المملكة السعودية لعدد 120 ضابط صحة، كما أنها ترتب للتعاقد مع 500 آخرين خلال الفترة المقبلة. فيما هاجر إليها من قبل (1000) ضابط صحة، علما بأن العدد الكلي لضباط الصحة بالبلاد لا يتجاوز (4.600) ضابط صحة حسب اتحاد ضباط الصحة.
واقع مذرٍ
هجرة ضباط الصحة لم تأت من فراغ فقد سئم هؤلاء من الأوضاع التي يعانونها ووصلوا لقناعة أن الدولة غير مهتمة بعملهم لدرجة فشلهم في توفير آليات الحركة لهم ليقوموا بدورهم المعتاد في المرور على المواقع وتفتيشها لإعداد خطط صحة البيئة فمن يتجول في أحياء ولاية الخرطوم، يجد أن غالبية المدارس تعاني من إهمال وترد بيئي كبير رغم تواجد التلاميذ فيها مع ملاحظة علم وزارة الصحة بذلك كما يقول معلموا تلك المدارس مبينين ان الحديث عن الصحة المدرسية أصبح ماضيا وتاريخا، مؤكدين أنه لا يذكر حتى أن جاء إلى المدرسة ضابط صحة، لدرجة أن صحة البيئة في المدارس أصبحت تتم بمبادرات من المعلمين على أن يشارك الطلاب فيها خاصة وإن المدرسة لا تستطيع توفير التمويل اللازم لإصحاح البيئة.
وأكدت ضابط صحة بإحدى مستشفيات ولاية الخرطوم تحدثت لـ(الصيحة) رافضة ذكر اسمها أن وزارة الصحة تخصص ضباط صحة، للصحة المدرسية إلا أنهم لا يقومون بأداء وظائفهم عبر الزيارات الإشرافية لعدم توفر الآليات وأجهزة الكشف والرقابة عن الأطعمة والأغذية، وانعدام التنسيق بين وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم الأمر الذي يؤدي إلى تدني صحة البيئة بالمدارس مؤكدة أن عدم إصحاح البيئة يفقد الدولة رونقها وبالتالي يعكس عدم رقي البلاد.
بيئة طاردة
ضابط الصحة أكد لـ(الصيحة) تقصير الدولة تجاه ضباط الصحة وعدم توفير المعينات التي تساعدههم على أداء وظائفهم وتحفزهم على البقاء لتقديم الخدمة لوطنهم، مؤكدة عدم توفر المعدات والآليات التي يعمل بها ضباط الصحة بحجة أن ميزانية الدولة لا تسمح بتوفير تلك المعدات مشيرة إلى أن نتائج هجرة الخبرات والكوادر التي لا تقل خبرتهم عن 5 سنوات ظهرت جلية الآن خاصة مع عدم طرح فرص تعيينات جديدة رغما من وجود فجوة في عدد ضباط الصحة معتبرة أن ذلك ادى بدوره إلى ضعف في الأداء، وشكا عدد من ضباط الصحة استطلعتهم (الصيحة) من أن الحكومة لا تقدر الجهود التي يقومون بها فضلا عن معاملتهم بدونية من قبل كوادر صحية أخرى إضافة إلى أنهم لا يجدون قبولا من المجتمع هذا غير ضعف المرتبات وتأخر الترقيات واعتبروا أن تلك أسباب كافية للهجرة وأكدوا أن ضابط الصحة في حال سفره يمكنه تغيير حياته خلال 5 سنوات في وقت أنه لا يستطيع إحداث أي تغيير في حياته حتى إذا عمل لمدة 20 عاما بالبلاد.
هجرة مجدية
من جهته اعتبر الخبير الصحي د. سيد كنات في تصريح لـ(الصيحة) أن الهجرة حق قانوني للمواطن مادام يمارس مهنته دون أي ضغوط وفي ظل بلاد أصبحت طاردة منوها إلى أن الكوادر ترى في البلاد التي تهاجر إليها أنها جاذبة مؤكدا أن مسؤولية الدولة تجاه المواطن توفير الخدمات الصحية بكل سهولة ويسر بحيث توقف حتى الهجرة من الولايات مبينا أن الكادر الطبي بالداخل أضحى يفضل العمل بالمستشفيات الخاصة كونها توفر له عائدا أفضل معتبرا أن الدول المهاجر إليها تحترم كرامة وإنسانية تلك الكوادر غير أن العمل متوفر بجميع معيناته، وقال إن هجرة ضباط الصحة جاءت لعدم وفرة آليات ومعينات العمل من قبل الدولة مؤكدا وجود عشوائية وسوء تخطيط من قبل الدولة وإهدار لإمكنيات الشعب ووصف إحصائيات الهجرة بالمخيفة.
شكوى التهميش
ووصف اتحاد ضباط الصحة بالسودان، ضباط الصحة بـ(المهمشين)، واشتكى رئيس ضباط الصحة بالسودان أحمد إدريس من وجود تقاطعات مهنية تمثلت في دخول جمعيات وأشخاص في مجال الصحة العامة، ورهن نجاح مشاريع نظافة ولاية الخرطوم باستيعاب ضباط صحة مهنيين، وأعاب احتكار مشروع النظافة بالخرطوم من قبل أشخاص لا علاقة لهم بالنفايات مستثنياً مدير عام مشروع النظافة، ولفت إلى وجود (800) ضابط صحة يعملون بالولاية.
الخرطوم: ابتسام حسن
صحيفة الصيحة