لمن. فاتهم الاستماع
عقدت الدهشة لساني وخطيب الجمعة بمسجد مدينة تلال بشرق النيل، يلقي علينا واحدة من خطب ثمانينيات القرن الماضي، عقود بأكملها انصرفت ومياه كثيرة مرت من تحت سدود الدعوة والدعاة، وخطيب جماعة أنصار السنة المحمدية يراوح مكانه!! بطبيعة الحال أنا لا أتحدث عن موقف الدين من بعض القضايا، فهذا موقف لا يتغير، لكني أتحدث عن القضايا المتغيرة التي تنزل عليها النصوص، فلم يعد السودانيون يتدفقون إلى القباب زرافات ووحدانا حتى نوقف خطبة بأكملها لمعالجة هذه الأمور، بل ربما لم يكن من بين المصلين ومستمعي تلك الخطبة من يمارس هذه الزيارة !! فهل يتجمد الخطاب السلفي التقليدي عند قضية أصبحت شيئاً من الماضي بفضل الله ثم بفضل جهود الجماعة نفسها !!
* أنفق الخطيب فقرات حسان أخر من خطبته على مظهر المسلم (المتلحي) والمسلمة (المتنقبة).. أو المظهر الذي يفترض أن يكون عليه المسلم والمسلمة، وتمنيت بين يدي مواسم العيد لو اخترق خطاب شيخنا هذا حجاب المظهر إلى معالجة الجوهر، بحيث يمتد الوعظ إلى صلة الرحم والتسامح والعفو والتصالح وعلاقة الجيران وتعزيز النسيج الاجتماعي، ماقيمة هذا المظهر الخارجي إن لم يتبع بجوهر داخلي!!
* وسبحان الله، إذ تُلقى هذه الخطبة بين يدي حدث تفجير شاحنة فرنسا التي راح ضحيتها المئات بين جريح وقتيل، والدنيا كلها من الشرق إلى الغرب أصبحت تلك الجمعة غارقة في دماء هذا الحادث المشين، الذي يلقي بظلاله على تمدد الإسلام والمسلمين في الغرب، ورجل جماعة أنصار السنة المحمدية يراوح خطابه داخل القباب والملابس واللحى!! خطاب موغل في المحلية كما لو أن هذه الدعوة الإسلامية تعني بالأمة المسلمة ما بين السجانة والتلال!! فلو انفجر الكون كله ليس باستطاعته أن يحرك هذا الخطاب من قبابه التي اعتقله فيها البعض !!
* وأقول البعض، بحيث ﻻ أتصور أن هذا هو المنهج السلفي المتخذ من قبل رئاسة الجماعة، التي أضحت أكثر مواكبة، وهي تتبع مناهج عملية وتعقد الورش والسمنارات وتقيم الندوات، للمدارسة الداخلية وإنتاج خطاب يواكب المتغير في ما يدور من حولنا، علي أن هنالك على الأقل ثمة تباين بين خطبة الجمعة وخطب وعظ الميادين التقليدي، فلكل حالة موضوعاتها، ففي الجمعة حيث يأتيك المصلون من كل المدارس تحتاج أن تتسع وتتسامى وتستوعب، وليس بإمكاننا القول إن خطاب لا ينجح في مخاطبة الآخر، وهو مصمم لقضايا داخل الجماعة !!
* هنالك قضايا كثيرة تفرض نفسها كانت تستحق التناول، منها على سبيل المثال ما يجري في دولة الجنوب الذي يتعرض المسلمون وغير المسلمين فيه لفظائع ومحن كبيرة، وهو بذلك يستحق العون والمساعدة والإغاثة، على الأقل هذا ميدان دعوة ومظان استجابة، إذ تمتلك الجماعة منظمات الدعوة الإغاثية !!
* أيضاً نحن بين يدي موسم الخريف وبلادنا تعاني شحا في الحبوب وضنكا في العيش، وأكيد أن خطاب الجماعة يتسع لمفاهيم حمل الناس إلى استغلال موسم الخير وتحويله إلى نعمة! على أن خطاب الجماعة الذي يضيق به البعض ويضيقه بعض أهله، هو بالأحرى يتسع إلى مثل هذه القضايا الجوهرية !!
* لا يستطيع أحد أن ينتقص من جهد وكسب جماعة أنصار المحمدية، سيما في نسختها السلفية المنفتحة على قضايا البلاد والعباد، بحيث تصبح الحاجة لجهدها وإمكاناتها وخبرتها الدعوية أكثر من أي وقت مضى، لتتضافر وتتناصر مع الآخرين لمواجهة قضايا المجتمع، من المخدرات والإرهاب إلى الغزو الخارجي واختراق فئات الشباب الحية، إلى قضايا العمل والإنتاج والتكافل ومحاربة الفقر وتعزيز أواصر الأخوة وتعزيز النسيج الاجتماعي.