قصاصات عن الانقلاب
لن يتبقى من مشاهد الانقلاب التركي الفاشل، سوى تلك الصور العنيفة التي تظهر جنودا يتعرضون للضرب العنيف بواسطة مجموعة من الأتراك الغاضبين على الحركة الانقلابية، صور غريبة ومحيرة لجنود مساكين مصابين بالذل بالهوان جاثون على ركبهم وسياط الأفراد تنهال عليهم بالضرب المبرح، والدماء ترى سائلة من أوجه بعضهم، بينما آخرون يتوسلون معاقبيهم للعفو عنهم ويتروكنهم دون تعذيب.. ربما هذا أول جيش في العالم يعامل بهذه الطريقة علنا وفي الشوارع وأمام الكاميرات!
أبدى السودانيون على صفحات التواصل الاجتماعي، لا سيما الفيسبوك، اهتماما لافتا بالانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، وتوزعت تلعيقات أغلب الناشطين على موقع الفيسبوك، ما بين محتفي باستعادة الديمقراطية وعودة الرئيس طيب أردوغان، وما بين متشكك في طبيعة الانقلاب ومحاولة تفسيره ضمن نظيرة المؤامرة، وبأن الأمر لا يعدو أن يكون مسرحية أردوغاوية لتبرير قمع المعارضين وتمرير تعديلات دستورية بعينها، فئة أخرى صغيرة من النشطاء على موقع الفيسبوك أبدت تذمرا ساخرا من الاهتمام السوداني اللافت بالانقلاب الفاشل والرئيس أردوغان، وطالبت جميع المحتفين والمتشكيين بالالتفات إلى مشاكلهم المحلية ومحاولة إيجاد حلول لها بدلا من اللهث وراء النموذج التركي في شكله المقبول لدى البعض أو المذموم لدى آخرين؛ وقد دعمت هذه الفئة سخريتها بصور تعكس بعض الأوضاع الصحية المتردية في العاصمة الخرطوم.
اللافت في الانقلاب التركي الفاشل أنه صراع بين جناحين إسلاميين، كانا حتى وقت قريب متحالفين ضد الأحزاب العلمانية الأخرى في تركيا. هذا الصراع يبدو مغيبا تماما لدى الإسلاميين الملتفين حول الرئيس التركي أردوغان، للدرجة التي قد يتراءى للمراقب أن الانقلاب من تدبير جهات معادية للتوجه الإسلامي الذي ينتهجه الحزب الحاكم في تركيا، والمفارقة الأكبر أن الأحزاب العلمانية في تركيا هي أول من رفض فكرة الانقلاب وندد بمنفذيه وأسهم في إحباطه، وذلك بالطبع دفاعا عن التجربة الديمقراطية في البلاد، التي عن طريقها فقط يمكن أن يتحقق الإصلاح وفق منظورهم الذي بلا شك يختلف تماما عن المنظور الأردوغاني.
التجربة المستفادة مما جرى في تركيا بغض النظر اختلاف الآراء ومدى اقترابها أو بعدها من الشخصية المحورية أردوغان؛ هي أن الديمقراطية هي النظام الأنسب لمن يريد الإصلاح ولمن ينشد الاستقرار في بلاده.