ديمقراطية ولو بأردوغان
ما جرى في تركيا ليلة أول أمس وأمس، من أحداث دراماتيكية عقب إعلان مفرزة من الجيش توليها السلطة وفرضها للأحكام العرفية، وما أعقب ذلك من تطورات عصفت بالمحاولة الانقلابية وأفشلتها، كان اختبارًا حقيقيًا لإرادة الشعب التركي وتمسكه باختياراته وحريته، فلم يكن المواطنون العزل الذين خرجوا لمواجهة الدبابات بأيدٍ عارية من أنصار رجب طيب أردوعان وحسب، بل ومن كافة فئات المجتمع وألوان طيفه السياسي، وهذا ما جعل الشارع التركي أكثر تماسكًا في مواجهة الحركة الانقلابية، لكن لا ننسى دور الجيش أيضًا، إذ يبدو أنه بـ (المجمل) خاصة قيادته العليا لم تكن مؤيدة للانقلابيين، بل وقفت ضدهم وأسقطت مروحية تابعة لهم، وهددت بإسقاط المزيد إذ ما تطلب الأمر.
بطبيعة الحال، فإننا كثيرًا ما نلجأ إلى محللين من خارج السودان ليقرأوا لنا ماوراء تلك الأحداث، لكنني آثرت هذه المرة أن ألجأ إلى كل من حامد الناظر الروائي والمذيع السوداني المقيم بالدوحة، والدكتور عبد الرحيم محمد صالح، طبيب مقيم بألمانيا، لما اتسمت به قراءتيهما لما جرى في تركيا من عمقٍ ودقة، إذ كتب الناظر على صفحته بـ (فيس بوك) ما يلي: “الشعب التركي لم يخرج إلى الشوارع ويواجه الدبابات “عشان خاطر عيون” أردوغان وحزب العدالة. لكن دفاعاً عن حقه في الديمقراطية والاختيار. فهو يستطيع أن يتخلص من أردوغان وحزبه بورقة انتخابية صغيرة، لكنه لن يستطيع أن يتخلص من العسكر إلاّ بأثمانٍ باهظة، وبعد وقتٍ طويل جداً. لعل هذا هو الدرس مما حصل في تركيا”.
فيما كتب د.عبد الرحيم محمد صالح: “المؤسسات العسكرية تظل مصدر خطر دائم في دول بتجاربٍ ديمقراطيةٍ بسيطة مثل تركيا، أخطاء أردوغان وهي عديدة يُمكِنُ إصلاحها وتجاوزها بآليات النظام الديمقراطي نفسه وأعلاها النظام القضائي المستقل، وقبل ذلك هناك الوعي العام في المجتمع وهو وعي مُتزايد الحساسية تجاه الحريات ومؤيد بإعلام مسؤول لحماية تلك القيم.. الوصول لعمق السلوك الديمقراطي لا يزال بعيداً في دول مثل تركيا بتاريخها المثقل ببطش العسكر واعتقادهم الساذج أن الدولة تدار بالشِدّةِ العسكرية (ضبط وربط) في لغة القوم، وهنا تكمن مشكلتهم، يرون كل شيء بنظرة ميدان المعركة، فلابد من قائد فوق المساءلة ولا يدركون حتمية فساد السلطة المطلقة التي أثبتتها التجارب. لا يوجد تبرير لفعل العسكريين الأتراك ولا تفهم لهم، أما من يناصرونهم كرهاً في أردوغان فهنيئًا لهم بوقفتهم مع معسكر البطش والقمع، ويظل سؤال عالق في الخاطر علام تعارضون نظام الخرطوم وأنتم تهللون للدبابات تجوب شوارع استانبول وأنقره؟ وهل سيكون هناك تأييد لنظام عسكري أكثر مرونة وعدالة من أصحاب المشروع الحضاري؟ لعلى أسرفت في حسن الظن السياسي وتوقعي أن لا يجد عسكر تركيا مناصرة في تلك المنابر الإعلامية الحُرّة وتحديدًا من أقلام ترفع راية النضال دفاعًا عن حرية مُهدرة تمس الفرد والوطن، لا منًا ولا شكرًا بل اتساقًا مع مبادئ الديمقراطية يجب دعم شرعية النظام الحاكم في تركيا، وكل من يأتي عن طريق الاقتراع الحُر المباشر مرحبًا به بغض النظر عن لونه السياسي”.
ولا تعقيب بل دعم وتأييد لما ذهب إليه الصديقان الناظر ود. عبد الرحيم.