نهر النيل.. من الوعي ما قتل

لا تقلقني حالة الفراغ الحكومي والسياسي التي تعيشها ولاية نهر النيل، بقدر ما تقلقني الحالة التي هي أقرب لحالة (الفراغ الفكري) التي ترزح تحت وطأتها الولاية، وذلك بتعارك مؤسساتها في اللاشيء.. وإن شئت.. في اللا موضوع!! معارك طواحين الهواء بين مؤسسة المجلس التشريعي ومؤسسات الحزب والحركة وبعض النخب.. بعيداً عن أشواق وقضايا الجماهير!! على أن بعض (الشغيلة السياسية) واللعيبة و(النشطاء الإعلاميين)، يجتهدون في صناعة محاور خلاف ومن ثم يستقطبون إليها بعض اللاعبين، لتنشأ مباريات وهمية الغالب والمغلوب فيها هي ولاية الوعي والتاريخ والأمن والاستقرار!!
* ضحكت كثيراً وبكيت في آن واحد، يوم اجتهد بعضهم في صناعة محورين مفترضين متقاتلين، محور جنوب الولاية وشمالها!! فتساءلت يومئذٍ، لعمري من أين يبدأ الجنوب لينتهي إلى الشمال المزعوم!! فعلى الأقل هنا لا يصلح أدب الجهويات لأن الولاية أصلاً قد تشكلت على لحظة وعي من قبيلة واحدة، هي قبيلة العلم جو التناسج والتمازج بين مكوناتها الأساسية!! بحيث يصبح الاستقطاب في هذا المحور القبلي الجهوي شبه مستحيل!! لعمري هي الولاية الجسد الواحد التي تموت لبتر عضو وتسهر لجراحه.. لهذا ذهبت الشغيلة السياسية باتجاه صناعة محاور مؤسساتية مدهشة بين كيان شبه واحد، لأن العضو في المجلس التشريعي هو ذات العضو في الحزب والحركة وحتى في المجتمع المتماسك، الذي إن لم تجمعه الفكرة جمعته الإلفة!!
* وأتصور أن أطروحة الإسلاميين أصلا كانت بحاجة إلى معارضة وكتل من أحزاب أخرى لتصطف مجتمعة في المقابل حول فكرتها، لأن احتراب الفكرة الواحدة في بعض الأحيان يكون مفجعاً جداً، لأنه سيتجاوز اللعب على الفكرة والمنهج ويلعب على الجسم، فيشخصن الصراع ويأخذ شكلاً شخوصياً!! بين إصلاحيين مفترضين وتقليديين متوهمين!!
* وتكمن الأزمة الوطنية في ثنايا تراجيديا حالة ولاية نهر النيل، في كونها هي الولاية الأنموذج في التمازج والوعي والثقافة والثروات وحتى الثورات، الأرض والماء والكوادر والطاقة والذهب والتاريخ، والتي إن هي أحسنت توظيف معطياتها ومكتسباتها ونقاط قوتها، لأصبحت مورداً ثراً وموئلاً لكل بلاد النيل والشمس والصحراء !!
* على أن الأزمة الأساسية في ولاية نهر النيل هي أنها تمتلك من الوعي ما يصعب مهمة حكامها، بحيث لم تحظ أصلاً بوالٍ يليق بوعيها إلا في بعض النماذج التي لم تعمر طويلا، وأذكر في هذا السياق وبين يدي بعثة الوالي حسن رزق قولته المشهودة، بأنه بعث إلى ولاية كل أهلها يصلحوا إلى أن يكونوا ولاة!! وهذا لعمري هو مبعث الحزن والفرح في آن واحد، إذ كيف لولاية هي مكمن الكوادر ومظان العلم وموطن المعرفة وملهمة الإبداع والفداء، تعجز في أن تجد والياً جدير بوعيها وكفيل بتأريخها!!
* الرأي عندي، أن تجري سنن الحالات الخاصة على ولاية نهر النيل، فيسمح لها أن تختار والياً من أهلها، فقديما قيل أهل مكة أدرى بشعابها، فلم يكن للوالي ود البلة أو أي وال محتمل من بحر أبيض ذنب، سوى أنهم بعثوا لولاية يصلح معظم أبنائها بأن يكونوا ولاة، ولاية عبر التاريخ لا شغل لها سوى تصدير الوعي والمانجو والذهب والكوادر والتأريخ !!

Exit mobile version