أصبحت الحرب العنوان الأبرز في دولة جنوب السودان، بعد انفصالها من الدولة الأم. مما شكل تهديدا خطير على الخرطوم التي دفعت العديد من الفواتير الباهظة، سواء على المستوى الاقتصادي أو الأمني، أو السياسي بل إنها مازالت تحاول تضميد جراح الانفصال التي انعكست سلبا على الاقتصاد الوطني، واودت به إلى الهاوية في سنين الانفصال الأولى، وتعد العمليات العسكرية الأخيرة بجوبا عاصمة الجنوب صفعة أخرى للاقتصاد السوداني من حيث تزايد عدد اللاجئين الجنوبيين الفارين إلى السودان، خاصة في ظل القرار الرئاسي القاضي بمعاملتهم كمواطنين مما يعظم فاتورة الخدمات وتضييق الخناق أكثر على المواطن الشمالي لا سيما مع تزايد المخاوف من تمدد الحرب خارج مدينة جوبا إلى مناطق إنتاج النفط التي تعتمد عليها الموازنة بما يقارب 7مليارات دولار.
آثار سالبة
ويؤكد الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين دكتور محمد الناير في حديثه مع (الصيحة) وجود آثار سالبة على اقتصاد الجنوب بصورة كبيرة باعتباره يعاني من شبه انهيار اقتصادي كامل فضلا عن تراجع قيمة العملة الجنوبية مقابل العملات الأجنبية وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، واستبعد تأثير حرب الجنوب على إيقاف نفط الجنوب العابر للسودان لجهة تراجع إنتاج النفط إلى 150 ألف برميل بسبب الحروب التي نشبت في الجنوب مقارنة بإنتاج نفط الجنوب عقب الانفصال مباشرة والبالغ 340 ألف برميل، مشيرا إلى توقف الإنتاج في ولاية الوحدة وحصره في ولاية أعالي النيل، وقال إن إيقاف ضخ النفط في الجنوب مرهون بتوسع دائرة النزاع ووصول الحرب إلى مناطق إنتاج البترول وحينها ستتصاعد المخاوف من إيقاف ضخ نفط الجنوب، لأن الصراع الحالي خارج بترول الجنوب.
تعقيدات التجارة
وفيما يتعلق بالتجارة البينية بين البلدين أكد الناير في إفادته لـ(الصيحة) أن التجارة بين البلدين لم تكن بالصورة المطلوبة مما يعني عدم وجود فاقد كبير في التجارة بسبب الحرب وعزا ذلك إلى التعقيدات الأمنية بالجنوب وعدم فتح المعابر بين الدولتين، ولفت إلى أن الصرف على الأمن في حال توسعت الأحداث في الجنوب تكلف الموازنة كثيرا لتأمين الحدود السودانية مما يشكل عبء على الخزينة فضلا عن توقعات بنزوح عدد كبير من الجنوبيين بحكم الانتماء صوب الخرطوم.
خياران أحلاهما مُر
الناير أكد أن الدولة أمام خيارين أحلاهما مُر للتعامل مع لاجئي جنوب السودان، أولهما أن تعاملهم كمواطنين وهذه فيها خطورة لتغلغل الجنوبيين داخل المدن في السودان المختلفة وعدم عودتهم إلى وطنهم في حال استقر الوضع في الجنوب مما يضاعف تكلفة فاتورة الخدمات وفي المقابل إذا تعاملت معهم الحكومة كأجانب وتخصيص معسكرات لهم فإن الدولة سوف تنظر إليهم بنظرة الريبة لدخول منظمات أجنبية والتي لديها أجندة مختلفة، داعيا إلى أهمية دراسة التعامل مع اللاجئين بشكل لا يؤثر على الاقتصاد.
فقدان بلا تأثير
ويشير الناير إلى أن جملة المبالغ المرصودة بالموازنة من رسوم عبور البترول بحوالي 7,1مليارات دولار في العام منها 3,1 مليارات دولار رسوم عبور نفط الجنوب و4 مليارات رسوم عبور في الترتيبات الانتقالية وإعادة النظر فيها، وتوقع عدم إحداث أثر كبير على الاقتصاد في حال إيقاف ضخ النفط لجهة عدم التزام حكومة الجنوب بالسداد، ونوه إلى أن نسبة الإيرادات غير الضريبية في الربع الأول من العام الحالي بلغت اقل من 40% وإن عدم التزام حكومة الجنوب الإيفاء برسوم العبور أحد أسباب تراجع النسبة، وأوضح أن الأثر النفسي على السوق الموازي بسبب الأحداث بالجنوب تؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار مما يتطلب على القائمين على أمر الاقتصاد التعامل مها بشفافية وتوضيح الحقائق لقطع الطريق أمام تجار العُملة.
نصف مليون لاجئ
الأمين العام للهيئة القومية لدعم السلام استيفين موال يرى في حديثه مع (الصيحة) أن الأزمة في جنوب السودان ستؤثر على اقتصاد الدول المجاورة لدولة الجنوب خاصة السودان، مشيرا إلى أن عدد اللاجئين الذين فروا إلى السودان عقب الأزمة بلغ أكثر 500 ألف مواطن جنوبي، وتوقع أن تحدث هذه الأعداد آثارا وصفها بالصعبة في الاقتصاد السوداني في ظل الصفة التي منحها الرئيس المشير عمر البشير، بمعاملة اللاجئ الجنوبي كمواطن سوداني، وأكد أن استمرار العمليات العسكرية في الجنوب ستكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد وتوقع أن تصل المرحلة في الجنوب إلى إغلاق جميع آبار البترول، إلا أنه عاد وأكد وجود هدوء نسبي للأوضاع في دولة جنوب السودان عقب إصدار قرار رئاسي بإيقاف عملية إطلاق النار. ورهن توقف الحرب في الجنوب بتوفر الإرادة السياسية الحقيقية لعمليات التفاوض التي قال إنها يجب أن تستوعب جميع أبناء الجنوب حتى الرافضين للجلوس في مائدة واحدة حول حوار وطني شامل.
خوف نزوح الحرب
وزير الدولة بوزارة المالية الأسبق عز الدين إبراهيم قال لـ(الصيحة) إن الحرب إحدى تداعيات انفصال الجنوب، مشيرا إلى أنها خلفت آثاراً مدمرة على اقتصاد الجنوب، وحذر من خطورة انتقال الحرب إلى شمال دولة جنوب السودان، وتحديدا في ولايتي الوحدة وأعالي النيل القريبة من السودان، حتى لا تتضرر الولايات الحدودية وخاصة النيل الأبيض وجنوب كردفان ودارفور، ومما يترتب عليه من معسكرات للاجئين مما يشكل ضغطا على الخدمات والغذاء في البلاد، مبينا أن الدولة سوف تتأثر في حال امتدت الحرب إلى مناطق آبار البترول وفي حال توقف ضخ النفط خاصة أن الدولة تعتمد على البترول في توليد الطاقة الكهربائية في مدينة كوستي وفي مصفاة الجيلي، ونوه إلى وجود اشكاليات في التجارة التي قال إنها شبه متوقفة فضلا عن المشكلات المعلقة بشأن تحديد الحدود.
الصيحة