مدرسة الربيطة.. سيرة صرح يلتحف طلابه الشمس.. البحث عن مغيث

يظل العام 1979م تاريخا مميزا في حياة سكان قرية الربيطة التابعة لوحدة ود عشانا الإدارية بمحلية أم روابة.. فالربيطة لتسميتها نفسها حكاية ولكل واحد من سكانها حكايات كثيرة يجب أن تُروى للعبرة والفائدة، مَثَّلْ العام المشار له مفصلاً مهما في تاريخها، حيث أنشئت أول مدرسة ابتدائية وقتئذ بها كمدرسة وحيدة في منطقة تضم عشرات القرى النائية عن بعضها البعض والكثير من فرقان البدو الرحل.. كان أطفال تلك القرى والفرقان يقطعون المسافات البعيدة لينهلوا من نبع المعرفة في قرية الربيطة خوجلي التي هي واحدة من ثلاث قرى يطلق عليها الربيطات يتم تحديد المقصودة منها بذكر مؤسسها فبجانب الربيطة خوجلي يطلق على الثانية الربيطة بني عُمران والثالثة هي الربيطة حسب الرسول، وحسب الرسول هو ابن الشيخ السماني مؤسس وشيخ الطريقة السمانية الشهيرة.

تاريخ مضيء
تاريخ هذه القرى الثلاث حافل بالإشرقات المضيئة والمميزة، إذ أنها اشتهرت بفضائل كثيرة وحسنات جليلة لازالت تمثل ديناً لها على رقاب القرى الأخرى لكنها لم يُعرف عنها أنها تقدمت بطلب لاسترداد قسط مما وهبته للآخرين، بقيت محمودة الاسم موفورة الأجر واسعة المطرح والدار تستقبل كل وافد لها بحضن مليئ بالحنان والحب.

هذا جانب من سيرتها بين الناس أما حكاية مدرستها التي رأت النور قبل أربعين عاما تقريبا فإنها أنارت طريقة الآف الشباب بالعلم والمعرفة وفتحت لهم طريقا ساروا عليه إلى أن بلغوا أعلى المراتب في العلم.. فمن بين الذين رضعوا المعرفة من ثدي تلك المدرسة البديعة مكاناً وأهلاً، مهندسون وأساتذة وأطباء وأصحاب معرفة حقة تمددت جذوعهم في شعاب الأرض شرقاً وغربا ولكنهم لم ينسوا أصلهم بين جدران مدرسة الربيطة خوجلي بعراقتها التي لم تشفع لها لدى الجهات المسؤولة عن التعليم بولاية شمال كردفان فلازالت عبارة عن (رواكيب) و(كرانك) و(قطاطي) كحالها يوم أنشئت قبل سبعة وثلاثين عاما بالتمام والكمال بحسب التهامي الناير وهو أحد طلاب الدفعة الأولى بها.

بدية الخير
بدأت المدرسة حينها بفصل واحد وصار يضاف لها فصل كل عام كحال كل المدارس التي تنشأ بالجهد والعون الشعبي كما أفاد التهامي الناير، حيث قال: “التحقت بالفصل الأول الذي افتتحوا به المدرسة وتواصل إضافة فصل سنويا لقائمة فصولها حتى أكتملت بالكامل كأول مدرسة في المنطقة الواقعة شمال ودعشانا وحتى قرية أم صقعون أقصى شمال الولاية، وكان التلاميذ يأتون من قرى عدة ويلتحقون بالمدرسة الجديدة وقتها إلى أن أصبحت أشهر مدارس المنطقة وأعرقها”. لكنها والحديث لـ(التهامي) “ظلت على حالها وتراجعت للوارء في بعض الأحيان لعدم التفات الجهات الرسمية لها وإدراجها في قائمة المدراس التي تم تشييدها بالمواد الثابتة.. لم يحدث هذا وظل سكان القرية يديرونها بالعون الشعبي.. فيشيدون فصولها كلما تآكلت بالمواد المحلية في شكل (قطاطي) و(كرانك) و(رواكيب) ويدعمون المعلمين ماديا حتى يستطيعوا البقاء فيها، لأن معظمهم كان يأتي من ولايات أخرى حينما كان توزيع المعلمين يتم قوميا, فحدث أن جاءها معلمون من مناطق بعيدة كالرهد والأبيض وغيرها وبقوا فيها لعدة سنوات يبذلون خبرتهم وعصارة علمهم للتلاميذ وحتى اليوم بالمدرسة معلمون من مناطق بعيدة يقيمون بها ويعودون لأهلهم نهاية العام الدراسي.

إيد على إيد
المؤسف في مسيرة مدرسة لا بديل لها في المنطقة بأسرها أن صارت في الظل بعيدة عن عين حكومة ولاية شمال كردفان ووزارة تربيتها وتعليمها ولهذا يقف أكثر من خمسمائة تلميذ وتلميذة هذا العام على باب مغادرتها نهائيا نحو المجهول، كما قال التهامي الناير إذ يرى أن المدرسة شارفت على النهاية إن لم يتم تداركها خاصة مع الحديث عن النفير والنهضة والتعمير الذي يتحدث عنه والي الولاية أحمد هارون ولكنه للأسف لم يطال مدرسة الربيطة رغم أهميتها.

أما علي أحمد خوجلي وهو من الذين أكملوا الابتدائي بالمدرسة، فيشير إلى أنهم يستطيعون المشاركة في تعمير المدرسة ببنائها بصورة تليق بتاريخها إذا شاركتهم الدولة الهم ولكن الدولة تركتهم دون سند وعون ولهذا صار عسيرا عليهم تشييدها من أولها لآخرها. وأشار علي أحمد وهو أحد سكان قرية الربيطة إلى أن هم المدرسة لا يخص مواطني القرية وحدها بل هو هم للولاية أيضا والواجب أن يتحرك الجميع للنهوض بهذا الصرح التعليمي حتى لا تفقد الولاية واحدة من أعرق مدارسها الريفية.

محمد عبد الباقي
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version