بهدوء، وبينما الصحافة غارقة في مُتابعة شهادة الترابي على العصر، والخرطوم باتت هادئة خلال عطلة العيد، قرّرت السلطات زيادة أسعار الدقيق وبالتالي الخبز، ليصبح سعر (الرغيفتين) بجنيه مع زيادة طفيفة في الحجم، قطعاً سوف تقل تدريجياً لترجع إلى وضعها الطبيعي، الزيادة الأخيرة في أسعار الدقيق والتي لم تُركِّز عليها الصحافة أو غضت الطرف عنها لصالح ملفات أخرى، هي ليست مُجرّد زيادة أسعار عادية يتحمّلها المواطن كما تحمّل الزيادات التي سبقتها، بل هي بداية لسلسلة زيادات وشيكة. نفّذت شركة الكهرباء برنامج قطوعات مُبرمج خلال الشهر الذي سبق رمضان، وكانت تجربة قاسية، ليست فقط على المُستوى السكني، بل على المستوى التجاري الذي تأثّر بتلك البرمجة وهو ما أثّر بالتالي على حركة السوق وتدريجياً ربما تتعطّل حركة السوق جزئياً، وكله يُصب في النهاية إلى المشهد الاقتصادي البائس، تلك البرمجة يبدو واضحاً أنّها كانت تهيئة لزيادة في الكهرباء، والوزير يتحدّث صراحةً عن انهيار في قطاع الكهرباء لن توقفه إلاّ زيادة الأسعار، وزيادة الكهرباء ليست مثل زيادة أسعار الوقود أو الخبز، ومعلومٌ أنّ زيادة الكهرباء تنسحب عليها زيادات أخرى.
وبالرجوع إلى بداية خطوات رفع الدعم عن المحروقات في سبتمبر 2013، كان البرلمان يُطالب بالاستمرار في رفع الدعم، القمح كان ضمن السلع التي ينبغي أن يشملها قرار (رفع الدعم) بالإضافة إلى (رفع الدعم) الكلي عن الوقود، مَا مَعناه أن الزيادة لا مفر منها.. الخلاصة أنّ ما قاله وزير المالية السابق علي محمود بأن الناس سوف يضطرون للعودة إلى (عواسة الكسرة) كان عين الحقيقة، وما قاله النائب الأول السابق علي عثمان طه بعد تدشين الدورة الرئاسية الجديدة للرئيس أن ليس بمقدورهم توفير لقمة العيش، لا خلال خمس سنوات قادمة ولا خمسين سنة قادمة، حيث إنّ الأولوية ليست لذلك، كان عين الحقيقة، وما ذكرته وزارة المالية العام الماضي عن ضرورة مراجعة الكثير من السياسَات الاقتصادية وتقصد إعادة النظر في (اعتماد المواطن على الدولة) أيضاً كان عين الحقيقة.
الخلاصة، إنّ الحكومة أكملت ما عندها وليس في مقدورها أن تُقدم شيئاً إلاّ المزيد من الضرب على المواطن، حكومة تفشل في توفير لقمة العيش وتنجح بدرجة امتياز في وضع اسم السودان في ذيل قوائم الفشل العالمي من الفساد حتى السرطان، لماذا لا ترحل؟.