محلك سر
* حزمة من التساؤلات الملحة تفرض نفسها كلما كان الحديث عن الفن السوداني حاضراً في برامج العيد بالقنوات الفضائية، فأسئلة عديدة تترى يأتي على صدر قائمتها سر تقوقع الأغنية السودانية داخل نفق المحلية؟ .. وما هي العلة التي جعلت الجدار الفاصل بين أغنياتنا وأذن المستمع العربي يرتفع مدماكاً بعد الآخر دون أن تنجح محاولات فنانينا في إختراق الوجدان العربي؟ .. ومتى يا ترى سنضغط على أزرار الريموت كنترول فيصافحنا صوت الراحل محمود عبد العزيز عبر (روتانا موسيقى) وجمال فرفور على شاشة (MBC) وحنجرة مكارم بشير على قناة (دريم ون) ..؟
* تبقى محلية أغنيتنا هاجساً يؤرق الجميع عدا بعض المطربين الذين لا يهمهم شيء سوى اللهث المسعور والركض المحموم خلف (العدادات) والأغنية (الراقصة) حتى ولو كانت كلماتها قد شقت عصا الطاعة الاجتماعية والأخلاقية وخلعت أردية الاحترام بالشارع العام..!!
* تساؤلات عديدة تدور في أذهان الناس دون أن تبحث لها الشاشات التي تبث الغناء يومياً عن إجابات شافية، لذا دعوني عبر هذه المساحة ألخص بعض النقاط التي قد تمثل إجابات عن تلك التساؤلات وذلكم حتى إشعار تداول آخر :
* أولاً: محدودية سقف طموح معظم المطربين السودانيين الذين لا يفكرون في غزو العالم العربي وطرق أبواب القنوات الفضائية بقدر ما أنهم مشغولون بـ (نجومية زائفة) داخل أرض الوطن، ناسين أنه في عصر العولمة لابد لك من فرض ثقافتك بشتى السبل مع تكرار المحاولات أكثر من مرة، فيجب أن تكون (منتجاً) لا (مستهلكاً) فقط..!!
* ثانياً: تهيُب عدد كبير من المطربين لتقديم أنفسهم ومنتوجهم الغنائي للآخر، وحتى في الرحلات الخارجية بالدول العربية حيث تجد معظم المطربين يقومون بإحياء حفلات للجاليات السودانية بتلك الدول الأمر الذي يجعلهم يجسدون صورة قاتمة للانكفاء على الذات، والدوران في فلك الخطاب الغنائي السوداني (إنتاجاً وتلقياً)..!!
* ثالثاً: الطريقة (الخجلة) التي يقدم بها الفنانون السودانيون أغنياتهم عبر قوالب عرض تفتقد للجاذبية وتفتقر لأدنى عناصر المواكبة من حيث التنفيذ والتوزيع الموسيقي، لدرجة أنك تشعر بأن كثيرا من الأغنيات (الجديدة) ما هي إلا مجرد أعمال (قديمة بالية) تخاطب الأذن على استحياء !!
* رابعاً: ضعف الإعلام السوداني عبر وسائله المختلفة (المقروءة ـ المسموعة ـ المرئية) في تحقيق وجود إقليمي، مما يصعب مهمة الأغنية السودانية إذ أن ما يبث مثلاً من أعمال معظم من يشاهدونه خارج أرض الوطن الحبيب هم السودانيون (الذين حضروا حفلات المطربين عندما زاروهم في البلدان التي يقيمون بها كما أوضحت (الفقرة الثانية) تلك الجزئية..!!
* خامساً: لا يمكن لأكثر الناس سذاجة مطالبة العواصم العربية بالاحتفاء بفنانين سودانيين لا تتعدى شهرتهم المحيط الداخلي، ولكن يمكن أن تحتفي تشاد أو نيجيريا أو حتى إثيوبيا في أحسن الأحوال أو غيرها من الدول الأفريقية بفنان سوداني لأنها تعرف اسمه ورصيده من الأعمال ووصلها صوته وسكنت نبراته طبلة أذنها، لذا فإنه من المهم حقاً أن نجتهد في تقديم فنانينا وأن يجتهد معنا أولئك الفنانون في تقديم أنفسهم وتعريف العالم العربي بهم ليتطور الأمر رويداً رويدا حتى يصبحوا نجوما إقليميين، وحينها ستتسابق إليهم وسائل الإعلام العربي ولن نحتاج استجداء عطف القنوات الفضائية حتى نحتفي بهم ونصنع لهم (ضجة وضجيجاً)..!!
* أخيراً: المشكلة الأساسية أن معظم أهل الفن لا يرون أن تقوقع الأغنية السودانية في نفق المحلية يمثل مشكلة حقيقية..!!
نفس أخير
* صدق أبو العتاهية عندما أنشد قائلاً:
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها
إن السفينة لا تجري على اليبس