> في الوقت الذي كانت فيه منظمات ووفود أجنبية ومجموعات مناوئة للبلاد تتخفى وراء واجهات ومسميات مختلفة خلال الأعوام التي تلت بروز قضية دارفور وسبقت اتهام المحكمة، وهي تجوب مناطق دارفور وتلتقي بشخصيات متنوعة في الخرطوم، كانت عملية إحكام رباط الأنشوطة ونصب الشراك تجرى بالتنسيق مع دول مجاورة للسودان اتفقت مع عواصم غربية على كيفية الإيقاع بالمسؤولين السودانيين وفي مقدمتهم الرئيس البشير، ولم يكن النشاط الاستخباري المعادي يغمض أجفانه ثانية واحدة وتجرى عمليات الرصد والمتابعة لكل ما يمكن اعتباره رأياً يشير الى دليل أو بعرة تدل على بعير. > وليس بخافٍ مهما كان حسن الظن، ان المكون المحلي كان له دوره المعلوم في تكوين الأباطيل والأكاذيب التي بني عليها الإدعاء العام للمحكمة الجنائية الدولية ومن يقف وراءها تهمه وترهاته، كان الادعاء العام وأجهزة مخابرات دولية وإقليمية قد بثوا الكثير من العيون وجندوا عدداً من عناصر الحركات المتمردة وبعض كوادر ما تسمى المعارضة وتواصلوا مع ناشطين سياسيين معارضين للحكومة، لجمع المعلومات والبيانات والموضوعات لتهيئة الأجواء وصناعة المناخ الملائم والغطاء السياسي والدعائي عند الإعلان عن التهم. > ولم تكن الحكومة ونشاطها واتصالاتها بعيدة عما يجري حولها، خاصة عندما تمت إحالة الملف من مجلس الأمن الدولي الى المحكمة الجنائية الدولية، وظهرت معلومات حول وجود قائمة تضم (52) شخصية من المسؤولين الحكوميين وبعض القيادات الأهلية متهمون بارتكاب جرائم انتهاكات القانون الدولي الإنساني وهم مطلوبون لمحكمة الجنايات الدولية، وريثما يستبين الناس صحة تلك المعلومات وكيفية التعامل معها، حتى أعلنت المحكمة من مقرها في لاهاي عن توجيه اثنين من المشتبه بهما للمثول أمامها وهما الوزير أحمد هارون وعلي كوشيب، وإشارات بأن الحبل على الجرار. > ولم تنقطع الاتصالات ولا المحاولات التي جرت ولا المبادرات التي تمت من أطراف دولية وإقليمية رسمية وغير رسمية ومحاولات سمسرة من جهات سياسية وحقوقية وناشطين غربيين وغيرهم بدعوى أنهم قادرون على احتواء تحركات المحكمة الجنائية الدولية وإبطال سمومها، غير أن الحكومة بدأت تتحرك بنفسها وطرقت عدة أبواب في عواصم مختلفة، لكن أهمها هي المحاولات التي جرت مباشرة دون الإعلان عن الاعتراف بالمحكمة لاستكناه ما تريده المحكمة ومدعيها العام، ولعب وسيط سوداني كان يتولى موقعاً أممياً رفيعاً في إحدى منظمات الأمم المتحدة، دوراً كبيراً في تأمين لقاءات سرية غير رسمية بين من يمثل الحكومة والمدعي العام للحكمة الجنائية الدولية، وبلغت تلك اللقاءات السرية وغير الرسمية أكثر من أربعة وثلاثين لقاءً، كانت كلها تبحث عن تعاون ما ومعالجة هادئة بلا كلفة باهظة لتهم المحكمة ضد هارون وكوشيب وإغلاق الملف إما عن طريق القضاء الوطني أو عن طريق محكمة مختلطة دون الحاجة الى تسليم المتهمين للمحكمة، وكانت هناك مقترحات من أطراف إفريقية ولجنة تسمى لجنة حكماء إفريقيا ذهبت في نفس الاتجاه، ويذكر أن تلك اللقاءات غير المعلنة التي كانت تتم في عاصمة أوروبية تناقش التقارير الدورية التي يقدمها المدعي العام السابق لمجلس الامن الدولي، وتلك الفترة هي التي اشار اليها المدعي العام في احد تقاريره لمجلس الأمن الدولي بأنه سيّر خمس رحلات الى الخرطوم للالتقاء بمسؤولين حكوميين. > ولم تنجح بالطبع تلك الاتصالات واللقاءات، وقد تمت الإشارة بالأمس الى ان مسؤولاً رفيعاً نهى ممثل الحكومة في تلك اللقاءات من مواصلتها بحجة أن المحكمة الجنائية الدولية لا قيمة لها وهي تشبه محاكم السلاطين الجنوبيين في أطراف الخرطوم. > وعندما أعلنت المحكمة عن اسم السيد رئيس الجمهورية في عام 2007م، وكان المدعي العام قد امتلأ حقداً وحنقاً لموقف الرئيس القوي والصارم بعدم تسليم أي من المتهمين (هارون وكوشيب )، تطورت الأحداث بشكل مذهل وبان الدور الخبيث الذي لعبه قادة دول في جوار السودان سخروا مخابراتهم للتعاون مع المحكمة وهم ليسوا طرفاً فيها، وكان غرضهم هو تسريع إسقاط النظام في الخرطوم. > وفي عام 2009م بعد صدور قرار المحكمة الابتدائية الأولى التي ترأستها القاضية (سيليفيا اليخاندرا فيرنانديز دي غورمندي) المتهمة حالياً بتلقي الرشى والأموال، حدث تطور مهم للغاية تمثل في ظهور ثلاثة أو أربعة من أهم كوادر الحركات المتمردة في دارفور ممن لعبوا الدور الأبرز في تعقيد القضية دولياً وساهموا في تدويلها ووصولها الى المحكمة الجنائية الدولية، بعد أن تم توظيفهم من منظمات صهيونية امريكية، وكانت لهم صلات وعلاقات مفتوحة مع أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ والكونغرس الامريكي، وهؤلاء الناشطون من بني جلدتنا وهم (الدكتور أ، م) و (الدكتور ن ،أ) و ( ع، أ) بعد ان أسهموا في تعقيد قضية دارفور وأوصلوها للمحكمة الجنائية الدولية، حدث تطور دراماتيكي في مسار القضية لم يكن في الحسبان.. (نواصل).