لم يعد أمر مثير للاستغراب الحديث عن اتهامات فساد تلاحق مسؤولين داخل المحكمة الجنائية الدولية أو (غوانتنامو أفريقيا) كما وصفها أحد الكتاب البريطانيين.
بالطبع هنالك حديث من قبل عن وجود أدلة تظهر تورط المدعي العام السابق للمحكمة لويس أوكامبو في قضية الرئيس عمر البشير.
التقارير تتحدث كذلك عن ملف ضخم يحوي تسجيلات صوتية ومرئية وبيانات مصرفية ترصد حركة أموال تم توظيفها في شراء الذمم والشهود لتوريط الرئيس البشير في جرائم حرب بدارفور.
خلال الأيام الماضية نقلت (قناة الجزيرة) عن صحيفة (ذي لندن ايفينيغ بوست) أن رئيسة المحكمة الجنائية الأرجنتينية الأصل أليخاندرا فرنانديز دي غورمندي متورطة في تلقي رشاو بقيمة (17) مليون دولار لتوجيه اتهامات للرئيس البشير, وأنها تواجه ضغوطاً لتقديم استقالتها من منصبها بعد توفر معلومات قبض الرشاوى.
الحديث عن فساد المحكمة الجنائية لم يعد مما يثير الدهشة، ناشطون كثر ناهضوا الجنائية وقدموا ما يصلح أن يكون بينات أو حيثيات مبدئية تؤكد حصول أطرافها على رشاو وضلوعهم في فساد، لكن لا المحكمة ولا مؤسسات العدالة الدولية كلفت نفسها بالتحقيق في هذه الاتهامات، ولن تجرؤ باعتبار أن مؤسسات العدالة الدولية من المفترض أن تكون فوق الشبهات.
كثيرة هي الروايات والحكايات عن المحكمة التي فقدت أهليتها الأخلاقية لمحاكمة الآخرين منذ أن اكتشف العالم أنها محكمة يسعى من خلالها البيض لإعادة استعمار أفريقيا.
( مكتب المدعي العام تلقى حتى الآن ما يقرب من (9) آلاف شكوى حول جرائم ارتكبت في (139) بلداً من ضمنها تقريباً تسعة آلاف حالة تتعلق بانتهاكات خطرة لحقوق الإنسان).
المحكمة الجنائية الدولية تعاملت مع ثماني (حالات) تخص إفريقيا وأدانت (39) إفريقياً، واستبعدت أية شكوى حول تورط الأوروبيين البيض أو الأمريكيين الشماليين.
ثلاث من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (أمريكا والصين وروسيا) لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية ولم توقع على ميثاق روما، الأمر الذي يعني أنها جهاز دولي خاص تستخدمه الدول الأوروبية باسم السلم والأمن الدوليين لتحقيق أجندة سياسية وعنصرية تستهدف القادة الأفارقة على وجه التحديد وتغض الطرف بالضرورة عن أي تجاوزات أخرى.
ماذا ينتظر الناس من المحكمة ذات التمويل المجهول، وطرائق التعيين الملتوية التي لم تستوعب حتى الآن قضاة مشهود لهم بالنزاهة والكفاءة.؟
انخفضت القيمة المعنوية للمحكمة الجنائية الدولية كثيرا في بورصة الأخلاق، وبدأت تفقد في كل يوم ثقة المراهنين عليها بعد أن طفت جرائم الفساد وممارسات الابتزاز وخرجت إلى سطح الأحداث، لم تعد الجنائية مؤهلة للدفاع عن العدالة والأخلاق والقانون.
أين هي المحكمة الدولية الآن من الاعترافات البريطانية بخطأ بلير وبوش في غزو العراق، نعم لماذا لم تحرك إجراءات ضد الرجلين وحيثيات جرائم الحرب متوفرة ومعززة بشهادة الجميع، ألم يقرأوا تقرير (تشيلكوت).؟
(عندما أُرسل توني بلير الجنود البريطانيين من الرجال والنساء إلى العراق للمخاطرة بأرواحهم «لم يكن هناك تهديد وشيك»).
بفضيحة سيلفيا أليخاندرا فرنانديز وبتواتر الحديث عن الفساد داخل ردهات الجنائية (انكشف المستور) تماما ولم تعد هذه (المحكمة المضروبة) مؤهلة حتى للتمثيل بـ(العدالة الدولية)، انتهت أسطورتها تماما بعد أن عصفت بسيرتها الملطخة بالعار حكايات التلفيق و(روايات الفساد)، ترى عن أية عدالة سيتحدثون!؟.
كان السودان واضحا في القول دائما أن الجنائية لم تكن صادقة في مساعيها لتحقيق العدالة في دارفور, كانت تختبئ خلف دعاويها أجندة السياسة المغرضة ونزعات الاستعمار البغيضة، يستحق السودان وساما دوليا رفيعا وتقديرا أفريقيا خاصة لأنه واجه هذه اللافتة المسيسة بشرف ونازلها بعزة حتى كشف حقيقتها للعالم، الأمر تجاوز الرئيس البشير الآن وأصبح (قضية كل أفريقيا) وهي تنتبه أخيرا الى أن قادتها هم المستهدفون بـ(محكمة الرجل الأبيض) أو (غوانتنامو أفريقيا).