إدانة بلير ترف جدلي لا يعني العراقيين
عندما قذف الصحفي العراقي منتظر الزيدي الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بالحذاء في واقعة شهيرة ببغداد في 14 ديسمبر 2008، كانت تعبيرا عن غضب شديد من مواطن عراقي على ما جرته الحرب مآسٍ ودمار على العراق بقيادة أمريكا وبريطانيا.. بوش كان منتشيا بالنصر الذي ظلت الآلة الإعلامية الأمريكية في عمل دؤوب لتزيينه بينما كرامة الشعب العراقي كانت تسحقها الدبابات والمجنزرات الأمريكية والبريطانية سحقا..روسيا صمتت بالأمس عن جرائم الحرب في العراق واليوم تقبض ثمن صمتها حين تصمت أمريكا عن جرائم روسيا في سوريا.
هنا في بريطانيا يواجه رئيس الوزراء الأسبق توني بلير بعاصفة عنيفة من الانتقادات بعد صدور تقرير لجنة تحقيق بريطانية حول قراره بدخول بريطانيا الحرب والتي أكدت أن أسس الحرب القانونية لم تكن مقنعة.. بريطانيا اليوم غاضبة على بلير بسبب مقتل 179 جنديا بريطانيا بين عامي 2003 و2009، وفق بيانات رسمية بريطانية.. أما ملايين العراقيين الذين كانوا ضحية الحرب قتلا وتشريدا اكتفى بلير بقوله: “أعبر عن ألمي وأسفي وأقدم اعتذاراتي” هكذا ببساطة.
وكشفت رسالة نشرت قبل أيام أن بلير أبلغ بوش قبيل غزو العراق بأنه “سيدعمه أيا كان الأمر”.. وبوش لم يهنأ بعد جزمة الزيدي إلا بعد أن عاثت القوات الإسرائيلية في غزة فسادا وارتكبت مجزرة راح ضحيتها 537 فلسطينيا ما بين شهيد وجريح، وحينها كان لسان حال بوش يقول لتسيبي ليفني رئيسة وزراء إسرائيل، منذ أن قذفني الزيدي بالجزمة وأنا أعيش في مهانة.. إنهم كلهم لا يستحقون الحياة عراقيين وفلسطينيين وغيرهم إنهم ملة واحدة.. مسلمون وإرهابيون.
ويقول جون تشيلكوت رئيس لجنة التحقيق البريطانية إن تقييم بريطانيا حجم تهديد أسلحة الدمار الشامل العراقية جاء دون مبررات مؤكدة، وأن لندن أضعفت سلطة مجلس الأمن بالتصرف دون الحصول على تأييد الأغلبية للتحرك العسكري ضد العراق.
وبينما زعم بلير أن نظام الرئيس صدام حسين كان يهدد الأمن والسلم الدوليين قالت اللجنة عكس ذلك أي أنه لم يكن هناك أي تهديد وشيك من صدام حسين، بل إن اللجنة ذهبت إلى أبعد من ذلك حين ذكرت أن الخطوات البريطانية قوضت سلطة مجلس الأمن الدولي؛ حيث يحدد ميثاق الأمن المتحدة مسؤولية الحفاظ على السلام والأمن ضمن أعمال مجلس الأمن.
ولم تعر واشنطن أو لندن أي اهتمام لحديث كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة والذي أكد أن احتلال العراق غير شرعي ويتناقض مع ميثاق الأمم المتحدة. وقد رد بوش بشكل فوري بان الحرب شرعية حظيت بموافقة الأمم المتحدة. وعندما ذكروه بأن الأمم المتحدة لم توافق استدرك وقال إن قرار الحرب عرض على الكونجرس ووافق عليه أغلبية الأعضاء، وما دام الكونجرس وافق فلا داعي لموافقة الأمم المتحدة. ومن المعلوم بالضرورة أن قرار الكونجرس قرار داخلي لا يعطل أو يبطل ميثاق الأمم المتحدة. ولم يوافق مجلس الأمن في عام 2003 على ضرب العراق ولم يخول الولايات المتحدة الأمريكية توجيه أي عمل عسكري ضد العراق لعدم انتهاك العراق قرارات الأمم المتحدة. بل تعاون العراق مع الأمم المتحد إلى أبعد الحدود في ذلك الوقت وفتح كل أراضيه للجان التفتيش الدولية.
سيبقى الجدل في بريطانيا حول حجم مسؤولية بلير ترفا نخبويا لا يقدم شيئا مفيدا للعراق والعراقيين، فالخسارة الأعظم تحول العراق من دوره الاستراتيجي المحوري في معادلة الأمن القومي العربي إلى النقيض تماما؛ فالعراق اليوم بنظامه الطائفي غدا مصدرا لتصدير الفتن الطائفية وأكبر دليل على تداعي المنظومة الأمنية العربية.
اليوم العراق مثال صارخ للفساد الحكومي، فقد أعاد تفجير الكرادة وسط بغداد إلى الواجهة فضيحةَ صفقة أجهزة كشف المتفجرات الفاسدة، والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 5 سنوات، وهي تمثل صفقة أُبرمت قبل نحو 9 سنوات لاستيراد أجهزة كشف أمنية، كلفت مئات العراقيين حياتهم، وثبَت أنها غير صالحة. حيث استورد العراق عام 2007 منظومةَ أجهزة أمنية متكاملة، بينها أجهزةٌ خاصة لكشف المتفجرات تجاوزت تكلفتُها مائتي مليون دولار.
قبل 3 أعوام في 2013 فاحت صفقة فساد كبيرة بنحو أكثر من 1.7 مليار دولار قيمة عقدين لوزارة الكهرباء العراقية مع شركتين وهميتين، إحداهما كندية والأخرى ألمانية.. ووصف عضو في لجنة النزاهة في البرلمان الفساد بأنه الأوسع والأكبر في تاريخ العراق حيث إنه بلغ ما نسبته 99% في جميع مفاصل الحكومة العراقية.