في تناقض كبير مع الجهود التي بذلها السودان مؤخراً في مجال مكافحة الإتجار بالبشر، وضعت وزارة الخارجية الأمريكية السودان ضمن “27” دولة في العالم صنفتها بأنها لا تتبع الحد الأدنى من المعايير الدولية في مجال محاربة الاتجار بالبشر بل لا تقوم بجهود مهمة وكافية لتحقيق هذه الأهداف، ووضعت أمريكا البلاد في الترتيب الرابع الذي شمل كل من الجزائر وموريتانيا وسوريا والسودان، تصنيف استنكرته وزارة الخارجية هنا بشدة ووصفته بالجائر وأنه يتنافى تماماً مع الجهود الكبيرة التي بذلها السودان طوال الفترة الماضية للحد من ظاهرة “الإتجار بالبشر” باعتراف دول الاتحاد الأوربي التي غير ما مرة أشادت بدور السودان في هذا الشأن وجهوده الحثيثة في محاربة الظاهرة التي أرقت بلاد الغرب.
تصنيف الإتجار بالبشر
كان التقرير صادماً للسودان الذي لم يتوقع على الإطلاق أن يتم وضعه في هذه القائمة نظراً لحراكه الكبير في هذا الملف مع شركائه الأوربيين، حيث قسم التقرير الخاص بمحاربة الاتجار بالبشر لعام 2016 الذي أصدرته الخارجية الأمريكية أمس، دول العالم إلى خمس خانات، وأوضح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن التقرير قُصد به تسليط الضوء على هذه التجارة التي تصل قيمتها إلى “150” مليار دولار، ووصفها بـ”الجريمة المرعبة”، وحدد التصنيف الأمريكي القائمة الأولى في الدول التي قال إنها تتبع الحد الأدنى من قانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر، وفي الثاني دول لا تلتقي قوانينها مع هذا القانون، لكنها تقوم بجهود مهمة في هذا المضمار، وهي الخصائص نفسها التي شملت القائمة الثالثة بإضافة رقم كبير للضحايا وغياب دلائل على تطوّر الجهود، بعدها الصنف الرابع الذي حل فيه السودان بجانب “27” دولة منها إيران وجنوب السودان وجيببوتي وجزر القمر وإريتريا وكوريا الشمالية وروسيا وبلاروسيا، فيما حلت كل من اليمن والصومال وليبيا في صنف الحالات الخاصة التي لم يُصنفها التقرير بشكل دقيق، ولم تُصنف أيّ دولة عربية في الخانة الأولى من التقرير، لكن مصر أتت في الخانة الثانية مع البحرين ولبنان والعراق والأردن والمغرب والإمارات، فيما حلّت دول الكويت وعمان وقطر والسعودية وتونس في الصنف الثالث.
جهود السودان
وزارة الخارجية على لسان ناطقها الرسمي، السفير علي الصادق استنكرت التقرير تماماً ووصفته بالمجحف، وعدد الصادق لـ “الصيحة” أمس، جهود السودان في مجال مكافحة الإتجار البشر، وقال إن الحكومة في اطار جهودها في محاربة هذه الجريمة بذلت جهود كثيفة أظهرت تعاونها اللا محدود مع المجتمع الدولي، وأشار إلى أن السودان استضاف في العام 2005 مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالجرائم العابرة للوطنية والتي تصنف جريمة تهريب البشر بأنها تتبع لهذا النوع، وأكد أن السودان انضم لاتفاقية الجرائم العابرة للوطنية دون تحفظ، بل إنه ساعد في إقناع العديد من الوفود للتوقيع على الاتفاقية لقناعته التامه بأهمية هذه الاتفاقية وإيمانه بمحاربة الإتجار بالبشر، ونوه إلى أن السودان انضم أيضا للبروتوكول الخاص بهذه الاتفاقية.
تشريعات لمحاربة الظاهرة
قال الصادق إن الحكومة السودانية شرعت قانون مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2014 ووضعت فيه عقوبات صارمة تصل إلى حد الإعدام في بعض الحالات، هذا بجانب تكوين لجنة وطنية لمكافحة الاتجار بالبشر برئاسة وكيل وزارة العدل وعضوية ممثلي الوزارات المعنية، و إصدار العديد من القوانين الولائية لمكافحة الاتجار بالبشر خاصة في الولايات المتأثرة مثل ولاية البحر الأحمر وكسلا في شرق السودان، وأوضح أن المجلس القومي لرعاية الطفولة كون لجنة اتحادية لمكافحة الاتجار بالأطفال والهجرة غير الشرعية، مُشيراً إلى أن المجلس سبق وأن استقبل عدد “35” طفلا تم ضبطهم كضحايا للتهريب وتعامل معهم وفق المعايير الدولية، وأوجد لهم دار للانتظار المؤقت وقدم لهم خدمة الدعم النفسي والاجتماعي لهم في الدار التي ضمتهم، ونوه إلى أن أكبر التحديات التي تواجه المجلس هي عدم وجود دور مهيئة للايواء لاستقبال الضحايا، وشدد على أن الجمعيات تعمل بصورة كبيرة ومشهودة وبموارد شحيحة جداً رغم عدم توفير معينات العمل اللازمة والدعم الفني والتقني من المجتمع الدولي، وأشار إلى أن اللجنة الوطنية أعدت أيضاً إستراتيجية قومية لمكافحة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية بالإضافة إلى المجلس القومي لرعاية الطفولة والذي بدوره أعد إستراتيجية لمكافحة الاتجار بالأطفال.
التعاون مع دول الاتحاد الأوربي
تحدث الناطق الرسمي باسم الخارجية عن التعاون الكبير بين السودان ودول الاتحاد الأوربي في مجال مكافحة الإتجار بالبشر، ونوه إلى السودان استضاف مؤتمر مكافحة الهجرة غير الشرعية في العام 2015 والذي أصدر المؤتمرون فيه إعلان “عملية الخرطوم”، وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي خلال هذا المؤتمر أبدى رغبته في التعاون مع السودان، وبعدها أعلن أن السودان يعتبر من اكثر الدول المتعاونة في مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر في الإقليم، وشدد الصادق على أن الوقت الحالي يتطلب حشد الرأي الأوربي في مواجهة التقرير الأمريكي وإلا أن هذا الموقف سيؤثر على التعاون مع دول الاتحاد الأوربي في هذا الملف مُستقبلاً.
إشادة من أوربا
ونوه الصادق إلى أنه بالإضافة لإشادة الاتحاد الأوربي بتعاون السودان اللامحدود معه في مكافحة الاتجار بالبشر، فإن الوزير البروفيسور إبراهيم غندور شارك في قمة “فاليتا” المُخصصه لهذا الغرض، إلي جانب الزيارات العديدة التي قام بها مسؤولون من دول الاتحاد الأوربي للسودان لبحث التعاون بين الطرفين للحد من ظاهرة الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية ما يؤكد أن السودان فاعلاً في هذا الملف ولا يستحق هذا التصنيف الجائر.
الخرطوم: محمد جادين
صحيفة الصيحة