مواسير مياه الخرطوم
لـ (ألبيرت آينشتاين) مُعادلة رياضية رائعة نصها أن “الغرور يساوي )واحد على المعرفة)”، ويشرح النص بقوله: “كلما زادت المعرفة قلّ الغرور، وكلما نقصت زاد”، وهذا شائع هنا، مغرورون دون حصيلة ولا ذخيرة، يقلبون أناهم الشخصية بين أصابعهم وينفخون فيها ثم ينظرون إليها وتعجبهم كونها منتفخة (ومليانه هوا). إنظر حولك الآن، وعِد، كم عدد البالونات المنفوخة كهررة تحاكي صولات الأسود، وهي في الواقع ممتلئة هواءً لا أكثر، لا أقل.
والغرور الذي (يساوي واحد على المعرفة)، هو الذي تفتق عنه الفساد وتدهور نتجية له التعليم، والخدمة المدنية و(المدنية) نفسها، وتتدهور الآن الصحافة ويتراجع كل شيء. وانظر حولك إلى مديري المؤسسات، إلى الموظفين الكبار، إلى وإلى وإلى.. واحسب، كم من بينهم من يستحق ما هو عليه وفقًا لمعايير الكفاءة والأداء والانضباط والنزاهة، قليلون جدًا، وربما لا أحد، دون شك.
نحتاج علماء اجتماع غير (منفوخين هوا)، علماء أكاديميين مطلعين ومتابعين لكل ما يستجد في هذا الفضاء المهم، نريدهم أن يحللوا لنا هذه الظاهرة بناءً على نظرية (آينشتاين).
بطبيعة الحال، يمكننا دعمهم، نظريّا في المرحلة الأولى ثم عمليًا لاحقًا، ولدينا أمثلة للمنتفخين كثيرة وعديدة، منها أن هيئة مياه الخرطوم، ممثلة في مديرها جودة الله عثمان، كان أدلى بتصريحات صحفية العام النصرم مفادها أن الهيئة تخطط لتصدير المياه النقية إلى دول الخليج مستقبلا، بالاعتماد على مياه نهر النيل. ولأنه “كلما نقصت المعرفة زاد الغرور”، فإن الرجل دعك عن الخليج البعيد المقتدر ماليًا وبإمكانه جلب ماءً عذبًا فراتا من أقاصي الدنيا، لم يستطع توفير الماء حتى (العكر) وغير الصالح للشرب ولا الغسيل لمواطني العاصمة التي (تجري من تحتها الأنهار) وتنفتح من فوقها (السماء) مدرارا، فمعظم أحياء أم درمان وقطاع كبير من أحياء الخرطوم بحري والخرطوم خاصة نواحي القوز والكلاكات والرميلة ومايو والأزهري وجبرة جنوب.. تعاني أزمة حادة مستمرة منذ نحو سبعة أشهر، ولا تزال، إلى حد الانقطاع الكامل، حتى أنني أعرف (شخصيًا) أن بعض المواطنين نزعوا صنابير المياه ورموا بها بعيدًا وتخلوا عنها، ورغم ذلك يدفعون فاتورة الماء. والآن، تتحصل الهيئة من المواطن على رسوم فاتورة المياه قسراً مُدمجة بفاتورة الكهرباء، ولا ماء في الأساس، إذ يشتريه من عربات الكارو, بمبالغ كبيرة جدًا. أليس ذلك ظلمًا وحيفًا وتجنياً؟ نسأل ولا نريد إجابة.
إلى ذلك، يقيني أن المسؤولين هم سبب الأزمات، ويقيني أنهم لا يملكون، ليس فقط الحد الأدنى من الكفاءة والقدرة التي تمكنهم من إدارة قطاعات حيوية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، بل حتى الحد الأدنى من الصدق والنزاهة والانضباط، وإلا لما أصيبت تلك القطاعات بشلل كلي فيما يزعقون وينعقون عبر أجهزة الإعلام ليل نهار، صباح مساء، يفتئتون على الحقائق بالضلالات.
ولأن أزمة (المواسير) المائية والبشرية التي تديرها، لن تنتهي إلا بإقالة الأخيرة وفصلها عن الأولى، ولأن هذا لن يتم طالما الخدمة المدنية لا تزال تحت قبضة التمكين، فإنني لا أملك إلا أن (أبل عمودي هذا وأشرب مويتو)، ثم أردد: ذهب الظمأ وابتلت العروق.