} قبل سنوات عديدة ذهبت لشركة أمريكية في مدينة فلادلفيا باحثاً عن وظيفة.. كنت وقتها طرياً لين العود وقليل التجربة..تحدثت إلى السكرتيرة كثيراً والتي يبدو أنها تعاطفت مع عجمة لساني، وحددت لي موعدا لمقابلة المدير المسؤول عن التوظيف.. من ذاك الحوار العابر علقت بذاكرتي عبارة قالتها السكرتيرة .” إن أردت أن تاتي في الوقت المناسب فاستخدم القطار “.. وأدركت لاحقاً أن افضل وأضمن وأرخص وسيلة للوصول لوسط المدينة، تملك (مترو الانفاق).. شركة (سبتا) المشغل لشبكة المواصلات، وهي ليست رابحة..في كل نهاية عام تتولى بلدية فلادلفيا دفع أموال لمواجهة أي عجز في موازنة الشركة.
} في بداية شهر رمضان زرنا والي الخرطوم في داره.. تبارى عدد من زملائي في الحديث عن هموم الولاية .. لفت نظري الزميل الطاهر ساتي الذي تحدث عن مشروع القطار الذي ابتدره الوالي السابق عبد الرحمن الخضر.. ساتي أكد أن أحد القاطرات الحديثة وصل بالفعل لمدينة بورتسودان ومازال قابعا في الميناء تدفع الولاية من فقرها رسوم تخزينه..حتى عندما تولى الوالي الفريق عبد الرحيم الرد على كل المداخلات تجنب الحديث عن مشروع القطار مما يدلل على دقة معلومات الزميل ساتي.. ليس القطار وحده المشروع الاستراتيجي الذي انصرف عنه والي الخرطوم الجديد.. مشروع النقل النهري والذي وصلت مواعينه إلى شاطيء النيل بات مشروعا معلقا يحكي عن غياب الرؤية والتخطيط السليم.
} قبل أن نعود لقطار الخرطوم نؤكد أن النقل عبر السعات الكبيرة يعتبر أمراً حيويا ..في إثيوبيا تم تدشين مترو حديث قبل بضعة أشهر تكلفته الكلية في حدود نصف مليار دولار.. رغم أن المشروع صغير جداً إلا أنه وضع هذا البلد الناهض في مصاف دول كبيرة ..اثيوبيا تعتبر أول دولة في جنوب الصحراء تستخدم المترو.. زار أحد أصدقائي المملكة المغربية قبل أشهر ولفت نظره القطارات التي تربط مدن المغرب..أوضح لي هذا الصديق أن القطار هو الوسيلة المثلى للسفر بين مدن المغرب الشقيق.
} من حسن الحظ أن قطار الخرطوم تكلفته قليلة جداً لأنه ليس قطار أنفاق بالمعنى المعلوم..كلما في الأمر أن الولاية تريد أن تستفيد من خطوط السكة حديد الموجودة كمشروع تجريبي يربط المنطقة من الجيلي شمال الخرطوم إلى منطقة سوبا والشجرة بجنوب الخرطوم..المشروع يحاول الاستفادة من خطوط السكة حديد الموجودة حالياً ..رغم بساطة المشروع إلا أنه يقدم حلولاً لأزمة المواصلات المستحكمة ..كما أنه يصلح كنموذج لمشروع رائد قابل للتطوير في مستقبل الأيام.
} في تقديري.. إن إدارة الفريق عبد الرحيم محمد حسين فشلت في الاستفادة من رؤية عبد الرحمن الخضر في تطوير الخرطوم..في عهد الوالي السابق والذي يسبقه كان هنالك اهتمام بالخدمات..مثلا الدكتور المتعافي اهتم بالطرق ..فيما ركز الخضر على الخارطة الهيكلية والجسور..عام كامل الآن على ولاية الفريق عبدالرحيم ولم تتضح رؤيته العامة في تطوير الخرطوم..بل أكاد أتهم الرجل بانه لفح مقترح حسين خوجلي في عاصمة بديلة ليضع عليه كل إخفاقاته ..عام من عمر الزمان ليس مدة قصيرة.
} بصراحة ..مازالت هنالك فرصة لينجز الفريق عبدالرحيم مشروعا يخلد به اسمه..قطار الوالي الذي يمكن ان يتطور ربما يكون أفضل مشروع يؤرخ لولاية الفريق عبدالرحيم محمد حسين .