أحدثت الترقيات التي أجازها رئيس الجمهورية الأسبوع الماضي لمختلف درجات السفراء ارتياحا واسعا داخل أروقة وزارة الخارجية، واعتبرها البعض تجاوزا لحالة الاحتقان والتذمر التي أفرزتها الترقيات السابقة والتي قادت بعض المتظلمين للشكوى إلى ديوان المظالم وكذلك تقديم الاستقالات، وذلك لعدم وجود مبررات مؤسسية في عهد الوزير السابق، ولكن يرى البعض الآخر أن الترقيات التي تمت كان الهدف منها محاولة من قيادة الوزارة لمعالجة بعض الإشكاليات التي حدثت العام الماضي. وتعد أبرز الملامح للترقيات هذا العام داخل وزارة الخارجية هي ملء كل الشواغر المتاحة؛ حيث قرر الوزير السابق عدم شغلها بالترقيات، الأمر الذي عد مخالفة صريحة لقرار رئيس الجمهورية بفك الاختناق الوظيفي، وهي أن يرقى للدرجة الأعلى كل من قضى في الوظيفة خمس سنوات، وتم حرمان وزارة الخارجية من هذا الحق الذي أصدره رئيس الجمهورية دون مبررات قانونية واضحة مما أدى إلى زيادة التوتر والاحتقان. وبحسب قرار رئيس الجمهورية فقد تمت ترقية خمسة سفراء للدرجة الأولى الخاصة أبرزهم السفير دفع الله الحاج علي سفير السودان الجديد لدى باريس ومُحيي الدين سالم سفير السودان لدى الكويت وعمر صديق سفير السودان في جنوب أفريقيا. وتضمن القرار ترقية (11) سفيراً من الدرجة الثانية للأولى؛ أبرزهم السفير والناطق الرسمي علي الصادق، خالد محمد فرح، وعايدة عبد المجيد الشيخ. و(13) سفيراً من الدرجة الثالثة للثانية منهم سليمان عبد التواب وعادل بانقا وفضل عبد الله فضل، و(32) دبلوماسياً من درجة وزير مفوض إلى سفير بالدرجة الثالثة أبرزهم معاوية التوم الأمين، خالد موسى دفع الله، عوض الكريم الريح، سوسن محمد صالح عمر، صالح نور الدائم الكرنكي، وأسامة محجوب.
ترقيات جماعية
بحسب بعض المصادر التي تحدثت لـ(اليوم التالي) فإن وزير الخارجية إبراهيم غندور فضل إجراء الترقيات بشكل جماعي في بعض الدرجات حسب الوظائف الشاغرة لامتصاص الاحتقانات السابقة، خاصة وأنه أدرك بحسه النقابي أن شكاوى ديوان المظالم لا تعتبر حلا ناجعا للتخطياتً والتظلمات السابقة. ولعل من أبرز الحالات التي تمت معالجتها هي ترقية عدد من الدبلوماسيين ظلوا دون ترقيات خلال السنوات العشر الماضية وحسب خبراء إداريين كانت توجد (70) وظيفة شاغرة قرر الوزير السابق منع الترقية عليها، مما دفع الطاقم القيادي الراهن لاستغلالها كاملة كما عبرت جهات سياسية من قبل عن أزمة الاختلال الهيكلي في وزارة الخارجية خاصة بعد زيادة التوتر، والاحتقانات والشكاوي لديوان المظالم الذي تدخل بعدد من الاستفسارات والأسئلة للديوان الإداري بالخارجية، وتأكد الديوان حسب مصادر مطلعة على وجود أخطاء جسيمة في الترقيات الماضية.
فلاش باك
في تحقيق حظي باهتمام وانتشار واسع العام الماضي سبق وأن نقبت (اليوم التالي) في قضية الترقيات الجماعية في وزارة الخارجية، وقال سفير معاش لـ(اليوم التالي) يومها إن ما حدث هو تورط إدارة الاستشارات القانونية لأول مرة في تصميم لائحة تكرس السلطات في يد الوزير والإدارة العليا وهو مخالف لقوانين الخدمة المدنية السارية وذلك مقارنة باللوائح السابقة التي منحت سلطات أقل لوزراء الخارجية لأن أعلى هرم الإدارة التنفيذية هو وكيل الوزارة. وقال بعض الدبلوماسيين حينها إن هذه العملية كانت تتم وفق التقاليد والأعراف الصارمة التي تميزت بها وزارة الخارجية وبمهنية عالية وفقا لما تنص عليه اللوائح، وحتى ولو كانت هنالك اعتراضات يتم الرد عليها بهدوء، ويحاط الدبلوماسي علماً بأسباب عدم ترقيته، وبحسب الكثيرين داخل الوزارة فإن العملية تمت بعيدا عن الإدارات المختصة، وعلى رأسها الشؤون الإدارية، باعتبار أنها الإدارة المختصة بالأمر من ناحية فنية.
وكانت (اليوم التالي) قد حملت هذه التساؤلات والانتقادات وتوجهت بها إلى وكيل الخارجية السابق السفير عبد الله الأزرق الذي أكد في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الترقيات السابقة استوفت كل معايير النزاهة والعدالة وفق القانون، ودافع الأزرق عن أداء اللجان المختصة وقال: تم تكوين لجنتين وفق الأسس المعروفة إحداهما برئاسته من وزير مفوض فما فوق والسفير عبد الباسط السنوسي يترأس لجنه ما دون السفراء.
وبحسب بعض السفراء الذين استنطقتهم الصحيفة فقد أكدوا أن مصدر الارتياح لهذه الترقيات في هذا العام هو أنها أعادت المؤسسية لوزارة الخارجية إذ تم الأخذ بتوصيات اللجان الفنية التي قدمت دراسات وافية لملفات العاملين، وقام وزير الخارجية بتعديل اللائحة التي تمنحه صلاحيات واسعة للترقيات وإعادة الأمر إلى نصابه في احترام المؤسسية. وقالوا إن ما حدث العام الماضي تحت إشراف الوزير السابق تم تخطيه هذا العام والآن يسترد الدبلوماسيون والسفراء لياقتهم الذهنية والمهنية لمزيد من العمل والتفاني في خدمة البلاد ويجب أن يتدخل مجلس الوزراء لوضع حد للصلاحيات المطلقة للوزراء في إجراء ترقيات الوزارات السيادية وأن بترك أمرها لهرم الجهاز التنفيذي داخل الوزارات وأن ينأى الوزراء السياسيون عن ذلك مؤكدين أن ما شهدته الخارجية العام الماضي يحب ألا يتكرر مرة أخرى ولا سبيل لذلك إلا بتحديد صلاحيات الوزراء وأن يترك أمرها لهرم الجهاز التنفيذي. وبهذا تكون وزارة الخارجية قد طوت هذا الملف بعد عام من الاحتقان والتذمر لكن ما هي ضمانات ألا بتكرر ذلك؟.
“لا يستحقون”
في الأثناء تحفظ بعض السفراء المخضرمين ممن تحدثوا ايضا لـ(اليوم التالي)، تحفظوا على ترقية بعض من شملتهم ترقية هذا العام لا سيما من تدرجوا من وزير مفوض إلى سفير، لأن الأخير يتم تعيينه وليس ترقيته من قبل رئيس الجمهورية بتوصية من وزير الخارجية، وقالوا إن السفير يذهب لتمثيل رئيس الجمهورية لذلك في كل العالم تكون فيها وقفة وأضافوا: لكن هذه المرة لم تحدث واعتمدت لجنة الترقيات على المعيار الزمني أكثر من الأداء، وأكدوا أن هذه المجموعة تحديدا فيها من لا يستحقون تعيينهم سفراء لضعف أدائهم الوظيفي كما لم يتم التمحيص أو رصد الأداء لهم خاصة وأهم سيصبحون في يوم ما قيادات الوزارة، وأشاروا لأنه قد يكون حدث إنصاف في ناحية أخرى، ولفتوا إلى أن إبراهيم غندور في أحد لقاءاته الداخلية أكد أن الترقيات ستكون فيها وقفة.
وأوضحوا أن قياده الوزارة حاولت من خلال هذا الإجراء معالجة بعض الإشكاليات التي خلفها الوزير السابق باعتبار أن الترقيات الماضية لم تتم عبر لجان بل عبر أشخاص محددين، وزادوا: لكن الاختيار هذه المرة تم عبر لجنة اعتبرت أن أي شخص متظلم يستحق الترقية، وأشاروا إلى أن هذا الامر غير صحيح لأن هناك من تظلموا مع أنهم لا يستحقون الترقي لضعف الأداء. وفي نهاية حديثهم قال السفراء إن هذا الجهد مشكور لأن هدفه تصحيح الأوضاع السابقة وإعادة الحق لنصابه.
الخرطوم – أميرة الجعلي
صحيفة اليوم التالي