لو قدر الله أن يهبك في ليلة القدر ثلاث دعوات مُستجابة.. واحدة فورية في الأمد القصير.. والثانية في المدى المتوسط (لنقل عاميْن قادميْن) وثالثة أخيرة على المدى الطويل.. فماذا تطلب؟
لو أجرينا استطلاعاً عاماً على شريحة واسعة من الشعب السوداني للحصول على هذه الدعوات الثلاث فإنّنا نحصل على صورة بالرنين المغناطيسي لمصيرنا.. منظار تلسكوبي يسبر أغوار مُستقبلنا السوداني.
ليس عسيراً – بل وليس مُهمّاً – أن نخمن (طلبات) الشعب السوداني على المديات الثلاثة.. لكن المُهم بدرجة حتمي أن نستجلي مُلاءمة هذه الطلبات مع واقع وإمكانيات السودان.. ففي تقديري هنا مربط الفرس الذي يجب أن يكون محور الحراك والسكون السياسي.. الإجابة على السؤال المفصلي.. هل صحيحٌ إنّنا شعبٌ يجهل الـ (أينات) الثلاثة.. أين؟ وأين؟ وأين؟
أين الأولى: أين نحن الآن.. هذا السؤال حتمي لتحديد نقطة البداية والانطلاق لتحقيق أهدافنا الاستراتيجية..
أين الثانية: أين نتّجه؟ هل نبحر في موج مُتلاطم بلا بوصلة ولا خارطة طريق؟ أم ندرك المسار ومُنعرجاته.
أين الثالثة: إلى أين نريد أن نصل؟ حتى الشباب الطائش الذي يدفع آلاف الدولارات لتجار البشر.. ثُمّ يعتلى موج البحر الأبيض المتوسط في قوارب الموت يحمل في أحلامه (أين) واضحة.. فهو يريد الوصول إلى البر الأوروبي ليفتح صفحة حياة جديدة.. فكيف بشعب كامل يعيش في وطن مُدجّج بالإمكانيات لا يعرف إلى (أين) يسعى!
إذا كانت مَطالب الشعب السوداني على المدى القريب.. حل مُشكلة المياه.. والكهرباء.. والتعليم.. والصحة.. وغيرها من الخدمات فهذا دليلٌ قاطعٌ على اعتلال (أين الأولى).. فنحن لا نعرف أين نحن..
وإذا كانت أمنيات الشعب السوداني على المدى المتوسط.. سترة حال؛ بيت متواضع (عُشّة صغيرة كفاية علينا) في الوادي الأحمر.. أو أيّ لون آخر.. فحتماً نحن لا نعرف (أين الثانية).. نحن نركب القطار الخطأ.. وسينقلنا للمحطة الخطأ.
وإذا كانت أمنيات الشعب السوداني على المدى الطويل.. (وطن بلا أزمات).. فنكون أكملنا الـ(أين الثالثة) بتوقيع يؤكد على أننا بدلاً عن المستقبل نحلم بالماضي.. وسنظل (وطن الحقيبة).. يعيش في عهد سرور وكرومة..
يجب أن نعترف بأنّ أكبر مُشكلاتنا أنّنا لا نعرف كيف نحلم.. على رأي الصحفي الكبير الراحل حسن مختار عندما شاهد مسرحية عُرضت في المسرح القومي في السبعينات اسمها (أحلام عباس) فكتب مُعلّقاً (اتضح لي أنّ عباس لا يعرف كيف يحلم)!!
ومن هنا يجب أن نبدأ إصلاح الحال.. أن نتعلّم كيف نحلم بالمُستقبل..
إذا زارتنا ليلة القدر فستدهشها أحلامنا..!!