> استراتيجية خروج اليوناميد التي أعدتها وزارة الخارجية، تمر باختبار صعب للغاية، وربما تكون نتائج الاختبار محبطة بعد قرار مجلس الأمن الدولي بالإجماع بتمديد بقاء بعثة اليوناميد عاماً كاملاً بين ظهرانينا، وكان سقف التوقعات عالياً جداً بإمكانية خروج اليوناميد من دارفور، بعد انحسار التمرد ونهايته وتعافي كل الولايات الخمس إلا من متفلتي الحركات الذين تحولوا إلى عصابات نهب وسلب لممتلكات المواطنين وقطاع طرق. > والحكومة نفسها كانت على شبه يقين أنه بعد الاجتماعات الثلاثية المشتركة بينها وبين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ولقاءات وزيارات فريق العمل المشترك لولايات دارفور لبحث تنفيذ استراتيجية الخروج، ليس هناك من مبرر أو عائق يمنع الاتفاق على جداول زمنية وخطة عملية واضحة تعجل بمغادرة البعثة غير المرغوب فيها، ولكن هيهات!! > السبب في ما حدث معلوم ومعروف، وقد أشرنا إليه هنا، وهو أن القوى الدولية المهيمنة على القرار الدولي لا تريد مغادرة اليوناميد لدارفور، وهي ثاني أكبر بعثة أممية لحفظ السلام في العالم وفي تاريخ الأمم المتحدة بعد بعثة الكونغو الديمقراطية الموجودة هناك منذ أحداث الكونغو مطلع الستينيات من القرن الماضي ولم تغادر حتى الآن، وقلنا إن الأمم المتحدة نفذت أكثر من (37) عملية حفظ سلام في مختلف مناطق العالم لم تخرج بعثاتها من الدول التي دخلتها إلا في ثلاث أو أربع حالات فقط، فمثل هذه البعثة أوجدت لتبقى لا لتخرج كما تريد مشيئة القوى الكبرى التي تمارس الظلم والحيف والكيل بمكيالين في كل الأوقات. > فأين يكمن خطأ الحكومة أو وزارة الخارجية في هذا القرار الأخير الذي جاء بالإجماع ؟ > لا أعتقد أن الحكومة أو بالأحرى وزارة الخارجية كانت تستطيع تغيير القرار، فيبدو أن هناك إرادة دولية غالبة تريد لهذه البعثة أن تبقى، ومع ذلك فإن ما لم تنتبه له الحكومة ومؤسسات وأجهزة الدولة هنا في الخرطوم، أن التقارير التي تعدها البعثة ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية عن الوضع في دارفور، هي التي تحدد مصير البعثة وتقنع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ولم نر هنا اهتماماً كبيراً من جهات عديدة بطبيعة التقارير التي تعد وتكتب من داخل السودان عن الوضع في دارفور، فكثير من المعلومات الكذوبة والخاطئة التي تمرر في تقارير البعثة ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى وما تحتويه من أكاذيب، لا يتم الانتباه إليها وتكذيبها في حينها أو التعامل بحسم مع الجهات التي تعدها وبعضها موجود بيننا ولا تطوله أية إجراءات إلا بعد أن تصل نصال السكاكين إلى العظم. > كما لم تستفد السلطات الحكومية المختصة ومنها وزارة الخارجية بالترويج أكثر، بحقيقة الوضع في دارفور، وأعتقد أن زيارة رئيس الجمهورية قبيل الاستفتاء لولايات دارفور، كان الغرض الرئيس منها إبراز الصورة الحقيقية على أوسع نطاق، وإثبات أن الوضع قد تحسن وباتت كل ولايات دارفور آمنة إلا في بعض الجيوب الصغيرة جداً لا تؤثر في كامل الصورة، وكانت هناك مطلوبات كبيرة في تلك الزيارة من بينها توسيع دائرة الاهتمام السياسي والإعلامي بها، لكن كان هناك قصور واضح على الصعيدين السياسي والإعلامي لاستثمار تلك الزيارة إلى اقصى مدى ممكن، لكن سرعان ما تناقص الاهتمام بها ودخلنا مرحلة الاستفتاء وضاعت فرصة كبيرة لجعل تلك الزيارة علامة فاصلة بين زمنين، أيام الحرب والتوترات والصراع في دارفور والراهن الماثل الذي يشهد نهاية التمرد وبزوغ شمس السلام والطمأنينة. > وكثير من الآراء التي تقال لا خلاف حول صحتها وصواب ما ترمي إليه، إن أزماتنا تبدأ هنا عندنا تنتهي هنا .. موضوع بعثة اليوناميد وخروجها، ملف تركناه لوزارة الخارجية تناقشه في الاجتماعات المغلقة مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ولم نعطه الأهمية الكافية، ويتحول لاستراتيجية تهتم بها كل الحكومة وتتفرغ لها مؤسسات في الدولة ويصبح شأنا عاماً ينشغل به الرأي العام، وللتدليل على ذلك، فخلال عام كامل، في رصدنا الصحفي العادي للتصريحات حول خروج البعثة وهو أمر سيادي من الدرجة الأولى، لم تصدر تصريحات ذات قيمة كبيرة وتركيز إلا أربع أو خمس مرات بينها تصريحان لوزير الخارجية ومثلهما للناطق الرسمي باسم الوزارة يعلن فيها عن اجتماعات اللجنة الثلاثية المشتركة وفريق العمل، ولم نجد كتابات وتحليلات صحفية أو برامج في وسائل الإعلام المختلفة، فكل ما كتب مقالات محدودة جداً وتقارير شحيحة، في وقت كنا فيه نحتاج إلى حملة إعلامية ضخمة وتحرك للدولة كلها كما حدث في تشاد عندما رفضت بقاء القوات الدولية في شرق تشاد وأصرت على خروجها وقد كان..!! > ما جرى هو مسؤولية جسيمة نتشاركها جميعاً ونتحمل نتائجها، والأقسى أن القرار ببقاء اليوناميد لو كان بالتصويت وهناك اعتراض وتأييد وانقسم حولها المجلس ونال قرار الإبقاء أغلبية لكان أخف.. لكن أن يصدر بالإجماع حتى من حلفائنا فالمصيبة أكبر..!!