أصوات عالية خرجت من قيادات بالشعبي بعيد رحيل زعيم الحزب الترابي، تنادي بتقديم أبناء الشيخ المنضوين تحت مظلة التنظيم خطوات إلى الأمام نحو كرسي الزعامة، و ذات الحال انطبق على حزب الأمة القومي، حيث لاحقت الاتهامات زعيمهم الإمام الصادق المهدي بالشروع في وضع اللمسات النهائية للدفع بابنته (مريم) محمولة على الأعناق إلى دفة الرئاسة، وتشير التهكنات إلى ابتعاد مولانا محمد عثمان الميرغني عن المشهد السياسي وتنازله عنه لصالح نجله الحسن، تاركاً خلفه العديد من الاستفسارات وردود الأفعال من قبل أقطاب الحزب، لتفتح تلك التصرفات الباب على مصراعية عن أسباب تبوء أبناء الزعماء لمواقع مرموقة بالأحزاب، فهل ترجح كفة صلة القرابة، أم أنها جاءت نتيجة لكد سياسي و« عرق » تنظيمي تخللته ليالي السهر في الندوات والجلوس بين جدران المعتقلات؟
غير صحيح
ولنستجدي المعلومة الحقيقية من أفواه قيادات الأحزاب حملنا هذه الاستفسارات ووضعناها أمام منضدة نائب رئيس حزب الأمة القومي اللواء معاش فضل الله برمة ناصر الذي بدوره استبعد مضى حزبه في مسلك التوريث، واسترسل بانفعال زائد إلى أن تبوأ المناصب داخل كيان الأمة القومي يتم بشفافية تامة، حسب العطاء الذي يبذله العضو تجاه مؤسسة الحزب، بعيداً عن النظرة الضيقة إلى «الحسب والنسب» التي أحيانا تميز العضوعن بقية الأعضاء وبسؤالنا عن اتجاه توريث نجلة الإمام د.مريم المهدي لخلافة أبيها إلى اعتبار أنها تتبوأ الآن منصب نائب رئيس الحزب بجانب آخرين، صمت لبرهة ثم تحسس كلماته للترافع والدفاع عن مريم «المنصورة» بأنها صاحبة عطاء سياسي وحزبي وافر على صعيد الأمة القومي، الأمر الذي ساعدها على تسلق المناصب الرفيعة في الحزب بكدها وجهدها، وليس بحسبها أو بوساطة من أبيها، والمعلوم حسب دستور الحزب تخصيص نسبة 25% من حصة للمرأة في كل مؤسسات الحزب، بما فيها المؤسسات الرفيعة كالرئاسة والمكتب التنفيذي، وقال إن فاطمة هي المرأة الوحيدة في الرئاسة واختيارها تم بالشورى، من قبل المكتب التفيذي، وتم التصويت عليها بالاجماع لتكون ضمن نواب رئيس الحزب.
غياب وعي
يقول أستاذ علم النفس السياسي والخبير النفسي علي بلدو إن ظاهرة التوريث في الأحزاب السودانية واتجاهها نحو محاولة خلق الحزب العائلي هي نتاج طبيعي لغياب الوعي المجتمعي ونقصان الثقافة المعرفية، وقلة مواعين الاستشارة لدى السياسيين، في مجملها ادت الي ترسبات نفسية واجتماعية خلقت أبعاداً جيولوسياسية وهيأت العقل السياسي الجمعي، وكذلك الذهنية السودانية للتعايش مع ظاهرة التوريث، وأضاف بلدو: يكن المجتمع السوداني قدراً عالياً من الاحترام للنزعة الدينية والطرق الصوفية التي فيها نقل الخلافة جيلاً إثر جيل، حيث استغل الكثير من الزعماء الطائفيين والعقائديين هذه النقطة لممارسة نوع من الإرهاب النفسي والإكراه المعنوي لتقبل التوريث، كأنه قدر سماوي بكل ماتحمله النقطة من وجدان شعوري، حيث يرى أن عامة الناس يعتقدون أن خليفة الوالد دوماً على حق، وإن لم يكن كذلك، وعلى النقيض من ذلك هنالك حالة من بروز وتيرة الريبة والشك للاتباع من غير أهل البيت والخوف من الطموح لدى بعض، ويدفع الزعيم لرفع راية (جناي البريدو) عملاً لقتل هذا الصراع والعصف الذهني، وأضاف أن الساسة والسياسيين مصابون بالنرجسية، يحبون التمركز حولهم بجانب أبنائهم وأحفادهم، ويحصلون علي ابعاد كل من يريد التقدم إلى دفة القيادة، وبالطبع هي واحدة من الانتكاسات في العمل السياسي، كما أن موضوع التوريث يعبر عن انهزام نفسي ويحدث نتاج العزلة التي يعيشها الكثيرون من القادة.
خطوة نحو التوريث
لكن الحال على صعيد الاتحادي الأصل يختلف عن بقية الأحزاب الأخرى، حينما حزم رئيس الحزب مولانا محمد عثمان الميرغني حقائبه باكراً ليستقر في العاصمة البريطانية لندن، ويسد أذنيه «دي بي طينة ودي بي عجينة « تاركاً تصريف أمور مؤسسات الحزب لنجله الحسن الميرغني كخطوة أولى نحو عتبات التوريث، وفي ذات المضمار أشار المشرف السياسي للاتحادي الأصل لضاحية كرري علي نايل إلى أنهم كإتحاديين يرفضون مبدأ انتقال الرئاسة عبر التوريث، وقال إن ابتعاد مولانا الميرغني خطوات إلى الخارج لم تكن من أجل تمكين نجله لتقلد المنصب.
اتباع المؤسسية
وفي المؤتمر الشعبي أبدى القيادي بالحزب أبو بكر عبد الرازق قسماً غليظاً بأن ظاهرة التوريث لن تطأ بأقدامها إلى دار الشعبي، وقال إن التوريث غير وارد بمؤسسات الحزب، كما رفض الزعيم الراحل أي محاولة لتسيلم أبنائه المنضمين لوظيفة ناهيك عن الرضى بتقدم أحد أبنائه للزعامة، هذا خلاف رفضه لبقاء ابنه الصديق ضمن اجتماع خاص بالحزب على الرغم من عضويته، وأرجع أبو بكر هذه الخطوات إلى أن الشعبي يعد من المؤسسات الحزبية المستنيرة التي تقوم على المثقفين أصحاب القدرات السياسية العالية، وهذا ما يجعله محصناً من ظواهر أحزاب البيوتات الطائفية لأنه حزب مؤسسات.
سلوك مرفوض
المحامي والقيادي بالبعث وجدي صالح فند مبدأ التوريث بعدم وجود نصوص قانونية صريحة في الدساتير والقوانين المنظمة لعمل الأحزاب، تقر بمبدأ انتقال الحكم أو الزعامة بالتوريث من الأب إلى الابن، واستدرك بعدم وجود مايمنع تقلد الأبناء لمواقع متقدمة داخل الأحزاب التي ينتمون إليها، حتى إذا تم على حساب تنحي آبائهم من الزعامة، متى ماكان هذا مرتبطاً بعطاء الأبناء وعملهم داخل الأحزاب، والتفافهم حول الجماهير، ووصف سعي رؤساء الأحزاب لتوريث أبنائهم بغض النظر عن أدائهم بالسلوك المرفوض، وبالطبع لا ينسجم مع العمل الديمقراطي العام على صعيد مؤسسات الأحزب حيث لايوجد مبررله، وانتقالها عبر دائرة الاقربين غير موضوعية سياسياً وتنظيمياً.
مرافعة
ألقى الأمين العام لمجلس الأحزاب السودانية السفير عبد الرحمن ضرار حجراً في ساكن البركة بالقول يقتصر دور مجلس الأحزاب في الإشراف المباشر والسعي إلى الخروج بها إلى بر الأمان قبيل مرحلة انعقاد المجالس العمومية الخاصة بها، وقطع بأن المجلس لايتدخل في الخيار الذي ترتضيه مؤسسات الأحزاب حول اختياراتها لشاغلي الوظائف المتقدمة بالأحزاب، بمافيها الرئيس باعتبار أنها شأن داخلي يخص مؤسساتها، ورهن تدخلهم في حالة وجود تجاوزات في تطبيق القوانين المنظمة لعمل الأحزاب.
ولاء الطائفي
أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. صلاح الدومة أشارإلى أن معظم الأحزاب السودانية الكبيرة الموجودة على الساحة السياسية تقوم على الولاء الطائفي والعقائدي، وأن الولاء من الجماهير المنسوبة إليها آتٍ من التأييد المطلق للزعيم وأبنائه، وأرجع الدومة السبب لافتقارها للايدولوجيات والشعارات والبرامج السياسية المحددة، وهذا ما يجعل الأحزاب بعيدة عن الأداء السياسي الذي تتخذه في برامجها القائمة على الولاء المبني على الطائفية الدينية لدرجة التمجيد، وبدوره يمهد الطريق لأبناء الزعماء لخلافة آبائهم على قيادة الحزب.
تحقيق: أيمن المدو
صحيفة آخر لحظة