ايه حكايتك مع النفخ، من أنفخ بطنك إلى أنفخ ولو حملك ريش، هكذا خاطبني القارئ صاحب المادة التي نشرتها أمس تحت عنوان (أنفخ ولو حملك ريش)، هذا العنوان لم يكن من عنديات صاحب المادة وإنما هو لي، قلت له مداعباً لا يهمني أكان عجبك ولا غلبك، وأضفت على طريقة الصحفي المخضرم المرحوم محمد الخليفة طه الريفي (أنا حر فهذا عمودي الذي أتكئ عليه)، يقال أن الصحفي الريفي كان يقول عن صفحة المنوعات التي كان يحررها بالغراء (الأيام) (هذي صفحتي البرقد عليها)، أما أنفخ بطنك التي أتى على ذكرها هذا القارئ اللماح، فقد كان عنواناً لأول عمود أكتبه بعد إيقاف قسري وتعسفي عن الكتابة امتد لمدة قاربت العام، وحديث هذا القارئ معي أعاد لي ذكرى تلك الحكاية..
كنت قد التقطت هذه العبارة الموحية والمعبرة من تعليق ذكي لقارئ حصيف على خبر عودتنا للكتابة، قال لي هذا القارئ بعد أن بارك العودة (أنفخ بطنك)، وقد حيرني لماذا لم يقل (أنفخ قلمك)، فأنفخ بطنك عبارة شائعة في أوساط (العتالة)، لهم التحية والتقدير، يتبادلونها في مقام الحض والتشجيع لتحمل المشاق وحمل الأثقال التي تنوء بحملها العصبة ذو البأس والقوة دعك من فرد واحد، فإذا ما رأى العتالي أخاه العتالي وهو يحاول دون جدوى رفع حمل ثقيل، صاح فيه يحثه ويحمسه ويستثير عضلاته (أنفخ بطنك)، وللعتالة غير هذه العبارة أهازيج ومجادعات ومربعات وأراجيز ينشدونها ليستعينوا بها على مشاق مهنتهم الشاقة، كما لهم أيضاً بعض الافتراعات والاجتراحات والمسكوكات اللغوية التي تخصهم وحدهم، مثل سائر المهن الأخرى في ما يمكن تسميته بـ(اللغة المهنية)، إذ لكل مهنة وصنعة مصطلحات وعبارات لا يفهمها من هو خارجها.. وعلى ذكر نفخ البطن تحضرني بهذه المناسبة عبارة أخرى مؤداها (أشرب بطنك)، وفي رواية (أشفط بطنك)، ولعلها عبارة عسكرية متداولة في مجتمع (التعلمجية)، فقد سمعتها مرة من تعلمجي صارم القسمات، غليظ الصوت، يصرخ بها في وجه مستجد في طابور بيادة أخلَّ بروز بطنه شيئاً ما بالحذية، ومن أهمية الحذية في تراث الجندية أن العسكريين يتباهون بأن نابليون بونابرت كان يأخذ الحذية في جيشه بإطلاق رصاصة من مسدسه حتى إذا ما صادفت أي نتوء أو بروز يخل باستواء الصف انتاشته، ومن عموم ما فهمته من العبارة أنها تأتي في سياق التهيئة لتلقي المزيد من النداءات والتعليمات في حصص وتمارين البيادة الشاقة..
واقع الحال أن الكتابة في عمومها مهمة شاقة وثقيلة، فما بالك إذا اعتورتها واكتنفتها بعض الأحوال والظروف التي تزيد من مشقتها وثقلها، وربما كانت سبباً في (ثقالتها)، فهي في هذه الحالة تحتاج فعلاً لـ(نفخ البطن) مصداقاً لوصية قارئنا الذكي الظريف، أو ربما جعلتك من جهة أخرى (تشرب بطنك) ليستوي وقوفك في الصف، فلا تشذ أو تنشز وتحتاج لأن (يواسوك) غير مأسوفٍ عليك.