في أول.. رد فعل لما أثرناه بالأمس تلقيت الرسالة التالية من صديقنا الأستاذ علي عباس بالسفارة الهولندية في الخرطوم.. وهي رسالة كما ستلاحظون مقتضبة وموجزة ومنتجة.. هدفها إيصال معلومة محددة يمكن أن تساعد كثيرا في إعادة قراءة تاريخ السودان.. وفتح الباب واسعا أمام طرق المسكوت عنه وطرحه لمزيد من النقاش لمزيد من الإجلاء.. وكان هذا هدف مدخلنا الذي اتخذناه لموضوع تعامل الحكومة مع يوناميد أصلا.. مع التأكيد على علمي بمتابعة الأستاذ علي عباس اليومية لما ينشر في الصحافة المحلية.. بل ومتابعته لمجمل النشاط المجتمعي المدني في السودان.. ولعل هذا يفسر لنا جانبا من اهتمام السفارة الهولندية المتعاظم بدعم المجتمع المدني في السودان والإسهام في دعم العديد من المشاريع التنموية والتوعوية على حد سواء في مختلف أرجاء الوطن.
قال عباس في رسالته الموجزة.. وهو في الواقع قد رمى حجرا في بركة ساكنة:
(عزيزي الأستاذ محمد لطيف.. نسأل الله لنا ولكم بركة العشر الأواخر من الشهر الفضيل.. قد تعلم بأني أتابع ما يكتب في الصحف يومياً لكني لا أعلق.. وقد تكون هذه أول مرة الجأ فيها للتعليق.. وقد دفعني للتعليق معلومة صغيرة رماها لي خالي (لزم) عوض السني خلف الله الرزم وهو من سكان قرية كمير العوضية محافظة المتمة غرب شندي.. إذ قال لي: إننا ـ الجعليين العوضية ـ كنا رعاة إبل في الخلاء ولولا كتلة المتمة وانسحاب ملوك الجعليين (السعداب) لما استقررنا بجانب البحر ولما صرنا مزارعين!! فالذين تمددوا لم يكونوا الشايقية وحدهم.. كثيراً ما أتصور حوادث التاريخ وتصريف الله لمصائر خلقه.. لك مني كل التحيات العاطرات..)
حسنا.. انتهت رسالة الأستاذ علي عباس وبقي الكثير من تاريخ السودان ما يزال في حاجة للتمحيص والمراجعة.. وإعادة القراءة.. كما بقي اليوناميد.. لا يزالون في السودان.. يأكلون أسماك السلمون.. كما حدثني صديقي الدبلوماسي.. ويخاطبون رسميا وزارة الخارجية السودانية لتخاطب بدورها حكومتها.. أي حكومة السودان.. لتوفير قوات لحماية قوات اليوناميد في دارفور.. علما بأن المهمة الرئيسة.. واللافتة العريضة التي جاءت بها قوات يوناميد إلى السودان هي حماية المدنيين في دارفور.. ليكون السؤال البدهي: إذا كانت قوات يوناميد عاجزة عن حماية نفسها.. فكيف ستقوم بدورها في حماية المدنيين؟.. وهذه الحقيقة أكدتها الوقائع في أكثر من مناسبة.. حين نجح بعض الصبية في إيقاف وتجريد بعض منسوبي يوناميد من أسلحتهم.. أو تصدي بعض الأفراد لمفرزة كاملة وإرغامها على التنازل عن كامل عدتها وعتادها.. ليثور تساؤل ليس في أحسن الأحوال في صالح يوناميد.. هو: إما أن هذه القوات أعجز من أن تدافع عن نفسها.. وبالتالي فهي ليست جديرة بحماية المدنيين.. أو أن ثمة تواطؤا من جانب هذه القوات مع بعض الأطراف ذات الصلة بالتوتر في الإقليم..!
الحكومة الآن أمام خيارين.. إما أن تفاوض من بيده القرار لإخراج يوناميد من السودان.. أو أن تتخذ القرار منفردة بطرد يوناميد..!!!