ربما لن يهوي بخطط وسياسات وزير السياحة والآثار محمد أبو زيد مصطفى، وهو يحدث عن استهدافهم رفع عدد السواح من 900 ألف إلى 5 ملايين سائح بحلول العام 2020 لزيادة حجم الإيرادات، كما تهوي بها ضوابط واجراءات ينوي محمد علي أبو شنب معتمد الخرطوم، تنفيذها لوضع محددات وضوابط للأجانب في ارتداء الزي، والجزم بأنه غير مسموح بارتداء الزي الفاضح.
أبو شنب مضى في بذل موجهاته في تحديد الزي وحصره في (البرمودا والتي شيرت) متجاوزاً تعميمها على كل الأجانب، متخيراً فقط منسوبي دولتين فقط، هما(إثيوبيا وأرتريا)، إذ التقى بسفيري البلدين كل على حده – بحسب تصريحاته – وأبلغهما بتلك الضوابط، وانتزع منهما التزامًا بالعمل على حصر منسوبي دولتيهما في الخرطوم.
سياحة نظيفة منضبطة
ضوابط أبو شنب، تقف في مواجهة سياسات، ما انفكت تنافح عنها الحكومة في جذب السياح الأجانب وتنشيط قطاع السياحة ليرفع دخل البلاد المأزومة اقتصادياً، ووزير سياحة يعمل جاهدا لإبعاد تشدد يرميه به البعض في فتح السياحة للأجانب وهو المحسوب على جماعة أنصار السنة، والذي ظل رغم كل ذلك يحدث عن “سياحة منضبطة”، ويرى أن السودان ليس معزولاً، ولكن الدولة بها قوانين على الآخرين الالتزام بها، مثلما يلتزم بقوانين ونظم الدول الأخرى، لأن هذا ليس شيئاً غريباً ولا مزعجاً، وإنما أمر عادي واستدل بأن الله تعالى قال: (فانتشروا في الأرض)، وقال: (فسيحوا في الأرض أربعة أشهر وعشرا)، والسياحة، بحسب الوزير، وردت في القرآن الكريم، وكذلك الانتشار، وعرج الوزير على أنه في بداية الإسلام لم يقبع المسلمون في مواقعهم وخرجوا إلى الأراضي الأخرى إلى (ناس غير مسلمين)، وتساءل: هل كان أولئك منضبطين؟. حديث الوزير عن السياحة المنضبطة، يعضده بأنه سياسة دولة بأكملها، ويدعمه حديث النائب الأول لرئيس الجمهورية، الفريق أول ركن بكري حسن صالح، حين قالها صراحة إنهم يريدون سياحة ومهرجانات سياحية “نظيفة ما فيها خمج” تجمع بين السياحة ومكارم الأخلاق والأعراف والتقاليد السمحة.. سياسة المعتمد أبو شنب، في تحديد الزي الفاضح للأجانب، قطعاً ليست بمعزل عن سياسة تتبناها الدولة في التعامل مع السياحة والسياح الأجانب في البلاد.
دولارات ضائعة
السياسات والضوابط المتبعة من قبل الحكومة المركزية والمحليات والولايات الأخرى، في التعامل مع السياح الأجانب، وتحديد الزي الذي يتوجب على السياح ارتداؤه، قد يجعل الـ(800) ألف سائح، ممن جاءوا إلى البلاد العام الماضي، يصرفون أنظارهم عن العودة لبلاد تحدد حريات لبسهم وسلوكياتهم، وهم ممن يعودون على خزانة الدولة بنحو (930) مليون دولار بحسب إحصائيات وزير السياحة نفسه، بالطبع ضوابط وموجهات الحكومة، من شأنها حمل آلاف السياح على تفادي إضاعة دولاراتهم وعملاتهم الصعبة، في بلاد تعلي كعب ضوابطها على أوقات متعتهم الخاصة، الأمر كذلك عضده المحلل السياسي بروفيسور حاج حمد في حديثه لـ(اليوم التالي) بأن مثل هذه القرارات لها تأثيراتها السالبة على انهيار السياحة في البلاد أكثر مما هي عليه.. الرجل يرى أنه ما من سائح يحترم نفسه تتوفر لديه كل هذه المعلومات عن وضع الجهات الحكومية ضوابط للسياح ويقدم على السياحة في البلاد، وقال: لأنه إذا كان هنالك سائح أجنبي توقف مع فتاة في شارع عام يمكن أن يراها فرد في شرطة السياحة أو الجهات المسؤولة شروعا في عمل فاضح”،
الحابل بالنابل
حاج حمد اعتبر تصريحات المسؤولين الحكوميين عن جذب السياحة وتقييدها بضوابط اختلاط للحابل بالنابل بمثابة عودة للقرون الوسطى، الرجل عدّ وضع الحكومة ضوابط للسياحة وتحديد الزي بأنه فاضح أم لا، أمرا فضفاضا، وقال إن الحكومة لديها لوائح ومرجعيات ومواثيق لحقوق الإنسان وهذه قيمة أخلاقية مضافة توجد في كل الديانات الإسلام والمسيحية واليهودية، ولكن لا تشكل سلعة عامة تؤثر سلبًا أو إيجابًا، على تسريع أو كبح هذه السلعة العامة، ورأى أنه إذا كانت الحكومة تعتبر هذه الضوابط سياسات للدولة وأن هذا زي فاضح، فعليها أن تشرح هذا للدول التي تتعامل معها في مجال السياحة، واستدرك الرجل قائلاً: (في أرتريا والجزائر وغيرهما من الدول السياحية المسلمة لا تتدخل الدولة في السياح وسلوكياتهم، بل إن ما تراه أنت زيًا فاضحًا يعتبر ثقافة في دول أخرى ولا يدخل في تعريف الزي الفاضح أو السلوك النابي، لأنه لا يعرف ما هو الزي الفاضح أصلًا”، حاج حمد قال إن الحكومة إذا أرادت التعامل مع الزي الفاضح للسياح والأجانب القادمين إلى السودان، عليها الذهاب إلى الاتحاد الأفريقي وتعرض قانوناً بذلك على الدول وتتواضع عليه معها وتعمل له اتفاقية ويصادق عليها، حتى لا يأتي السائح ويفاجأ بضوابط الدولة بعد أن يكون قد جر على نفسه الخسائر.
سياحة غير مستغلة
بمثل هذه القرارات تصبح المناطق السياحية التي يمتلكها السودان موقوفة بأمر تضارب القرارات، بما فيها من ثروة حضارية وتاريخية في الآثار ترجع إلى 7 آلاف عام، في مملكة البجراوية التي تمتلك 285 هرما، في البحر الأحمر هنالك نحو 750 كيلومترا على ساحل البحر الأحمر، لا يستغل السودان سوى 1% من هذا الساحل سياحياً، محمية الدندر التي تساوي مساحة لبنان، 10 آلاف كيلومتر مربع وتقترب من مساحة قطر، غير مستغلة الاستغلال الأمثل، أطول نهر في العالم؛ عند ملتقى النيلين هذا المشهد غير موجود في أي منطقة في العالم غير الخرطوم، على النيل توجد 1044 جزيرة غير مستغلة، كل هذا يمكن أن يصبح منتجعات قبالة الآثار، بجانب أنهر عديدة؛ عطبرة الدندر والرهد، وواحات كثيرة، حياة برية منوعة، وثروة طبيعية غير موجودة بالعالم، يتحدث عنها كل السفراء الغربيين والعرب الذين يأتون إلى السودان، ولكن بحسب حاج حمد فإن من الأسباب الأساسية لعدم دخول السودان لمنظمة التجارة العالمية أنه يمنع التجارة في الكحول والخمور، من منطلق أخلاقي، الرجل لفت إلى أن هذا من أسباب جذب السياح، واعتبر أن التجارة ليس فيها أخلاق، ولكن يمكن للحكومة أن تضع لوائح وضوابط بحيث لا تحد من حرية السياح.
زي الأجانب و”الخواجات”
في مقابل كل ذلك، يرى الكثيرون أن قانون النظام العام والمحاسبة بارتداء الزي الفاضح، يقفان حجر عثرة أمام حركة السياح، ما يلقي بظلال سالبة على السياحة والسياح، رغم أن الوزير قال في مرة سابقة إن: “الناس بتصور “الحكاية” بأكثر مما يلزم، لان السودان يوجد به أجانب (خواجات) من اليوناميد، والإثيوبيين، والصينيين، وأعداد هائلة من الأوروبيين، نحو مليون سائح لم يسمع بأنهم تعرضوا للمضايقات من النظام العام بسبب الزي الفاضح ولا غيره”، الأمر كله عده الوزير تضخيما للقضايا بأكثر مما يلزم، ولكن الحديث المتكرر للحكومة عن وضع ضوابط للزي الفاضح، وهذه المرة تحديد زي الأجانب، أعادت من جديد جدلية الزي الفاضح والمادة 152 في القانون الجنائي السوداني من جديد، فبحسب منطوق المادة ﻳﻌﺎﻗﺐ ﻣﺮﺗﺪي (ﺍﻟﺰﻱ ﺍﻟﻔﺎﺿﺢ) ﺑﺎﻟﺠﻠﺪ ﺑﻤﺎ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻷﺭﺑﻌﻴﻦ ﺟﻠﺪﺓ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻐﺮﺍﻣﺔ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﻘﻮﺑﺘﻴﻦ ﻣﻌﺎ، فمع كل مرة تدخل فيها قضية تحت مسمى الزي الفاضح لمحكمة النظام العام، وهو ما جعل د. عادل عبد الغني المحامي يذهب إلى أن العيب الواضح في القانون وليس القاضي الذي أصدر الحكم، ورأى أن العيب في المادة يأتي لسببين الأول يتعلق بالرؤية والمبدأ والثاني يتعلق بصياغة المادة نفسها، عبد الغني في حديثه لـ(اليوم التالي) اعتبر أن المادة 152 فضفاضة وغير محكمة وليست لصالح تبرئة المتهمين حتى نقول إن بها ثغرات يمكن النفاذ منها وإنما جاءت معينة للإيقاع بالمتهمين، عبد الغني استعجل ضرورة تغيير وإلغاء المواد وتعديلها حتى لا يكون معيار الزي الفاضح معياراً شخصياً وذاتياً يخضع لتقديرات السلطة المنفذة للقانون والشرطي الذي يقوم بمتابعة ومراقبة الأماكن العامة.
الخرطوم – سلمى معروف
صحيفة اليوم التالي