شيء مؤسف للغاية تلك الاضطرابات والاقتتال الذي سيطر على مدينة (واو) في دولة جنوب السودان ، حيث ما زال الجيش الشعبي وحده يملك القرار ولا صوت للحاكم ان كان (إلياس وايا) الذي أقاله الرئيس سلفاكير الجمعة الماضية أو (أندريا ميار) الذي تم تعيينه خلفا له بقرار جمهوري والمعروف أن عدد الولايات كان إلى وقت قريب (10) ولايات صارت(28) ولاية ،بقرار من الرئيس لتصبح واو وحدها ولاية ، ناهيك عن ولايات جديدة أخرى فقيرة تفتقر إلى أبسط متطلبات معيشة مواطنيها ، ولقد كان خطأ فادحاً استحداث ذلك الكم الكبير من الولايات في بلد لايحتاج أن يكون فيه أكثر من ثلاث أو أربع ولايات فقط ، وذلك لأسباب أمنية وأسباب اقتصادية وترشيدا للصرف على الدستوريين من حاكم الولاية ونوابه ووزرائه وأعضاء المجالس التشريعية في (28) ولاية فبالله ماذا تبقى للمواطن الجنوبي الذي مازال يلعق دماء جراحه من جراء الاقتتال والصراعات القبلية التي راح ضحيتها الآلاف من أشقائنا بعد الانفصال ؟ أليس من الأجدى تقليل الصرف على الدستوريين من عربات ومنازل ومخصصات ورهط من الموظفين ، والمواطن الجنوبي يبحث عن لقمة عيش ولا يجدها ، كما أن المسألة المتعلقة بالأمن تستوجب الإبقاء على الأقاليم الثلاثة القديمة، باعتبار أنهم جميعا كقبائل متنوعة كانت تعيش وتتعايش في سلام ، بل إن الأمن أساسا مرتبط بالاقتصاد فقد كان الإقليم الواحد متنوع الانتاج يكمل بعضه البعض في جو معافى من الصراعات.. حتى السودانيون الشماليون كانوا يعيشون في تلك الاقاليم في أمن وأمان ..وعموما فالذي حدث في مدينة (واو) من اضطرابات لابد من تداركه بسرعة قبل أن ينفجر الموقف ويطال (جوبا) العاصمة ، فالذين يعيشون في (واو) لهم امتدادات قبلية في كل الجنوب وفي أعلى قيادة الجيش الشعبي وبالتالي إن لم تدرك حكومة الجنوب خطأ ذلك الكم من الولايات بسرعة ، فإن الوضع سيتأزم باعتبار ان المشكلة في الأساس ،كما ذكرت ، اقتصادية وأمنية ، فليست كل الولايات الـ(28) مؤهلة للاكتفاء الذاتي من الغذاء ، مما يشجع على الدخول عسكريا بحثا عن الموارد التموينية ..نحن كنا في غاية السعادة بعد المصالحة الوطنية الي تمت ما بين الحكومة ومجموعة (رياك مشار) لكن بعد الذي حدث في (واو) نجد أن المسألة الجنوبية اكثر تعقيدا مما نتصور ، حيث هناك خلل في الوضع الإداري للدولة الجديدة كما أن الفساد ما زال منتشرا حيث لا رقيب على حكام الولايات الجدد والذين فشلوا كحاكم (واو) الذي لم يستطع أن يسيطر على الأوضاع المتعلقة ،كما أن للجيش الشعبي سلطة مطلقة ما زال يتمتع بها ويفرض قراراته ويعلن حظر التجوال في (واو) بدون مشورة الحاكم.