نقرأ تصريحات مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم محمود الأخيرة، فنجد بين طياتها وتضاعيفها ما يصدم بعضه بعضًا، فالترتيبات الجارِّية لزيادة رواتب العاملين بالدولة التي بشّر به لن تكون ذات جدوى ما لم تصحبها جُملة من الأمور، أولها زيادة الإنتاج والصادرات وخفض الواردات، بالطبع هو تحدث عن أن ذلك سيحدُث ضمن البرنامج الخُماسي، لكن واقع الحال لا يُنبئ عن نجاح، فلا يزال الأفق قاتمًا ومسدودًا أمام انفراجة مُحتملة للأوضاع الاقتصادية المُزرية وحالة الضنك المعيشة التي يعاني منها جُل المواطنين.
ببساطة شديدة ودونما (تلافيف وتلافيق ولولوة)، نستطيع أن نقول إن العامل في أدنى درجة وظيفية حكومية ينبغي أن يحصل على راتب شهري أقله (1080) حتى يتمكن، فقط من تناول ثلاث وجبات من الفول يوميًا، وعليه بعدها أن يأتي إلى العمل راجلاً، وأن يبيت في العراء على أرصفة الأسواق، وأن يذهب إلى العمل عاريًا، وأن لا يشرب ماءً، ولا يمرض، ولا يتزوج، وإذا فعل فلا يتناسل، وكيف له أن يفعل إذا كانت تكلفة الحد الأدنى لثلاث وجبات لـ(شخص واحد) تبلغ (ألفًا وثمانين جنيهًا).
والحال أعلاه، ليس (قطع رأسي) شخصيًا، بل استنادًا على ورجوعًا لـ (مجمع الفقة الإسلامي) إذ حدد فدية رمضان بــ (12) وهي قيمة وجبة واحدة مُشْبِعة من سائر طعام أهل البلد، وحق له ذلك، فوجبة الفول قيمتها بالفعل (12)، وبالتالي إذا ما أجرينا عملية حسابية بسيطة، فإن موظفًا متزوجًا ولديه طفل واحد، يحتاج هو وطفله وزوجته مبلغ (3.240) (ثلاثة آلاف ومائتين وأربعين) جنيهاً في الشهر، على أن يفعلوا ما فعل الموظف المشار إليه في الفقرة السابقة.
لا شك لديَّ، أن زيادة الأجور النقدِّية ليستْ حلاً حتى إسعافيًا، ما لم تفِ وتُعادل قيمة السلع والخدمات الضرورية، وبالتالي فإن أي حديث عن زيادات في المُرتبات يصبح لا معنى له. كما لا شك لدّى أن لا الإنتاج ولا الصادرات سيزيدان، ما لم تُرسَمْ سياسة جديدة خاصة فيما يتصل بالضرائبِ والقيمة المضافة والرسوم الجمركية والرسوم الأخرى، لأن تلك الرسوم لا غيرها هي التي تضاعف أسعار السلع والخدمات، فتبعدها محليًا عن متناول أيدي ذوي الدخل المحدود، وعن منافسة السلع النظيرة في الأسواق العالمية، إذا ما صُدِّرتْ.
على كلٍّ، ولأن الإصلاح الاقتصادي وما يتبعه من تحسين أحوال الناس المعيشية لا يأتي عبر قرار واحد أو قرارين، وإنما بموجبِ سلسلة إصلاحات كل حلقة منها تمسك بسابقتها وتاليتها، فإن أي حديث خارج هذا الإطار لن يثمر عن انفراجة حقيقية في أوضاع المعيشة المُتردِّية والبائسة.