رغم تحذيرات أئمة المساجد من سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات والبرامج الترفيهية طيلة الشهر الفضيل، إلا أن هذه المحاذير لم تُعق الإنتاج الدرامي والغنائي الرمضاني، بل إنه يُعد موسماً جاذباً لعرض الأعمال الجديدة في الفضائيات والإذاعات، وقد يكون تمسك الأسر السودانية بالمتابعة الدقيقة للبرامج والتسمر حول شاشات التلفاز لمتابعة البرامج الرمضانية، سببا لهذا العرض الجديد في هذا التوقيت.
الرابط بين كل تلك البرامج أنها تحمل شارات بداية ونهاية (تترات وهي الأغاني التي تُقدم قبل بدء العمل)، وهناك عشاق لهذه الشارات، يحفظها المتابعون عن ظهر قلب، ويظل بعضها عالقا بالذاكرة حتى مع تقدم العمر، ما إن يسمعه الشخص حتى تعبث به الذكريات القديمة التي زامنت مشاهدته، ما يجعله يبدأ في دندنة أغنية الشعار لا شعوريا، رغم أنه قد ينسى البعض الكلمات، لكن يظل اللحن عصيا على التآكل بسبب عوامل تعرية الذاكرة، وسرعان ما ينفض عنه غبار السنين.
تترات سودانية
الاهتمام بتترات البرامج المفضلة يبدأ منذ الطفولة، حين يحفظ الصغار أغاني مسلسلاتهم المفضلة أكثر من أناشيد المدرسة، وما إن يبدأ المسلسل حتى تبدأ وصلة تسميع شارة البداية، ليس صحيحا ما يُقال عن عدم رسوخ تترات البرامج السودانية بالذاكرة، فكثير من الشارات تظل عالقة بالذهن والوجدان على مر السنين، وتأبى الفكاك عنها.. هكذا عبرت خديجة جبارة – ربة منزل- عن رأيها وواصلت قائلة: منها المسلسل الإذاعي (قطار الهم) لهاشم صديق، التي كانت من ألحان وغناء أبو عركي البخيت، أذكر أن الشارة كانت تبدأ بصوت قطار متحرك من ثم يصدح عركي في ترديد الكلمات، “عم الزين محكر في قطار الهم، يشرق يوم، يغرب يوم، سنين ودهور”، وكذلك مسلسل الدهباية الإذاعي قبل أن يُصبح تلفزيوني “شنقلي طوباية – تلقلي دهباية”، وكانت الإذاعة السودانية تقدم أعمالاً عظيمة وذات ثقل في غاية الاحترافية، ومعظم التترات الإذاعية كانت من تأليف الشاعر عبد الوهاب هلاوي وغناء أحمد شاويش كما قالت خديجة، وفي ذات الوقت هناك أغاني مسلسلات مصرية توغلت في وجدان المشاهد العربي مثل ليالي الحلمية، التي استمرت بذات التتر حتى في جزءها السادس لهذا العام.
هشاشة الشارة المحلية
وما يدحض أيضا فكرة هشاشة الشارة السودانية، هو أن هنالك برامج محلية لا يزال لموسيقاها وقع خاص في آذان الناس رغم تقادم العمر، كما قال عمر الحاج – الكاتب الصحفي ومعد البرامج- وأضاف: مثل الشعار المميز الخاص برنامج عالم الرياضة الإذاعي وكذلك شارة مسلسل (لا إله الا الله)، الذي كان يُعرض في رمضان وأيضا أغنية برنامج افتح يا سمسم، غيرها الكثير من المسلسلات المصرية مثل عصفور النار ورأفت الهجان. والمتابع للبرامج السودانية حاليا يلحظ أن تتراتها لم تعد عالقة بالذاكرة كما السابق، والسبب هو اتجاه المنتجين للأعمال التجارية، فلا يهتم القائمون على العمل بإخراج شارة بصورة مميزة، كشارة مسلسل الأطفال (جزيرة الكنز) التي يُغنيها سامي كلارك ولا زال يرددها في مسارح عالمية، لأنها من الأغاني عالية الاحترافية، وكل عمل يعلق بالوجدان هو عمل بُذل فيه مجهود كبير، وهذا ما يوصلنا إلى أن معظم الأعمال السودانية الحديثة لا تراعى فيها المعايير التي تجعل منها أعمال خالدة.
ليست راسخة
ومن ناحية تقنية في مجال صناعة الشارات والإعلانات يرى المهندس طريف تاج السر – المتخصص في الإلكترونيات والصوت والمدير العام لشركة سينك للإعلان- أن عمل شارة مميزة لأي برنامج أو إعلان تحتاج لنص جيد وموسيقى تؤثر في المستمع وتعبر عن العمل. ومن المعروف أن طبيعة البرنامج هي التي تحدد شكل التتر، وبما أن الأذن السودانية ذواقة وتستطيع التقاط ما إذا كان العمل متقناً أم لا، يجتهد المسؤولون على صناعة تترات تُرضي المستمع السوداني، وتتفاوت في زمن تجويدها وإخراجها للناس، وعلى سبيل المثال استغرقنا في الوصول إلى الصيغة النهائية لشارة برنامج (ريحة البن)، بعد 10 أيام من التفاكر والتشاور والاستماع إلى العديد من الألحان. ويضيف: مع كل الجهود التي تُبذل في صناعة شارات البرامج، إلا أنها لم تصل لمرحلة الرسوخ في الذكرة كالتترات البرامج السودانية القديمة والمسلسلات العربية، برامج الأطفال القديمة، وحتى أعمال العام الماضي لا أستحضر منها شيئا، وأتمنى أن تصل الشارات الحديثة إلى مرحلة تجعلها عالقة بالذهن.
الخرطوم – نمارق ضو البيت
صحيفة اليوم التالي