سجلت أسعار العقار في مصر، قفزات كُبرى خلال السنوات الأخيرة، سواء كانت هذه الوحدات العقارية للفئات متوسطة الدخل، أو وحدات فاخرة، لتتجاوز بذلك التدرج الطبيعي للأسعار بكافة أنحاء العالم، وتخالف التوقعات السائدة في تحليلات الخبراء الاقتصاديين بوجود أزمة تمويل في مصر الفترة الحالية.
قفزات كُبرى في أسعار الوحدات العقارية
تقف عوامل متنوعة أمام ارتفاع أسعار الوحدات العقارية في مصر خلال الأعوام الأخيرة، والتي تحتل عوامل ارتفاع أسعار مواد البناء وتحديدًا الحديد نتيجة ارتفاع سعر الدولار، وانخفاض القيمة المحلية للعملة المصرية، مراتب أولى في قائمة عوامل ارتفاع أسعار الوحدات العقارية في مصر، وبقاء الضاربة عليها.
يُذكر أن سعر طن الحديد ارتفع في مارس (آذار) الماضي بقيمة تتراوح ما بين 350 و500 جنيه، ليصل سعر البيع للمستهلك إلى 5500 جنيه للطن، وهو ما دفع شركات الأسمنت لرفع سعر بيع الطن إلى ما يتراوح ما بين 750 و800 جنيه رغم تراجع الطلب.
محمد المرشدي، الذي يترأس إدارة أكبر المجموعات الاستثمارية في قطاع الاستثمار العقاري بمصر، يبرر لـ«ساسة بوست»: «هذه الارتفاعات الكُبرى في أسعار الوحدات العقارية، ترجع إلى ارتفاع قيمة الأرض التي يشتريها المستثمر سواء من الدولة أو من تجار الأراضي»، موضحًا أن البعد الأكبر الذي يؤدي لهذه الارتفاعات الكبرى، هو القيمة الفعلية للأرض، التي تتجاوز في أغلب الأحوال القيمة الحقيقية لها، ومؤكدًا على أن أسعار البناء لاتسطيع أن تؤدي بمفردها لهذه الارتفاعات الكبرى.
وأضاف المرشدي، أن من ضمن العوامل التي دفعت لحالة المضاربة على العقار في مصر هي انخفاض قيمة العملة المحلية، والتضخم، موضحًا أن هذه الأسباب كانت كفيلة بدفع آلاف المواطنين للاستثمار العقاري بجانب الشركات العقارية الكبرى.
وعن الأسعار في الأعوام المقبلة، يتوقع المرشدي أن الأسعار لن تنخفض أمام المستهلك، سواء كانت وحدات فاخرة أو إسكانًا متوسطًا، مُرجحًا أن يشهد هذا العام زيادة في أعداد أنواع العقارات لذوي الطبقة المتوسطة التي يحتاجها السوق مقابل تراجع لإنشاء الوحدات الفاخرة والفيلات، بأسعار ثابتة بشكل كبير.
كانت شركة فاروس للاستثمار رصدت في دراسة صادرة عنها، ارتفاعًا لأسعار العقارات بشكل مطرد سنويًا، منذ عام 2011 لعام 2014، بمقدار زيادة 50% في سعر المتر المربع، وهي المسألة التي قفزت بأرباح شركات الاستثمار العقارية في مصر إلى نسب تتجاوز 50%.
الجيش أكبر بنك للأراضي
خلال العام الجاري، صدر قرار جمهوري من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، رقم 57 لسنة 2016، أوصى بتخصيص أراضي العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمّع زايد العمراني، المزمع إنشاؤهما، على ما يناهز 16 ألف فدان، لصالح جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، كي تضطلع بتنفيذ المشروع. كما نص القرار على إنشاء شركة مساهمة تتولى إدارة اﻷراضي، وتضم مساهمات من جهازي مشروعات أراضي القوات المسلحة، ومشروعات الخدمة الوطنية.
القرار الرئاسي الذي منح جهاز مشروعات أراضي القوات المُسلحة، ميزة استثنائية، تتمثل في أحقية دستورية في الحق في استثمار الأراضي المملوكة له، إذ يُعد الجهاز هو أكبر قَيِّم على الأراضي الحكومية في مصر.
وكانت وزارة الإسكان المصرية، وبالتنسيق مع القوات المسلحة، أطلقت عددًا من المشروعات السكنية لمواجهة ارتفاع الأسعار، كمشروع المليون وحدة سكنية، مساحة ١٦٠ مليون متر مربع من الأراضي، والتي يقع معظمها على مشارف القاهرة، وكذلك مشروع «دار مصر» للإسكان المتوسط في عدد من المدن الجديدة.
يعتقد الخبراء أن هذه المشاريع السكنية التي أطلقتها الدولة لمنافسة القطاع الخاص في مجال الاستثمار العقاري، لن تتسبب بشكل كبير في انخفاض أسعار الوحدات العقارية؛ إذ إن البعد الرئيسي للأزمة هو طرح الدولة للأراضي بأسعار مرتفعة، محققة من وراء ذلك أرباحًا خيالية، معتبرين أن الحل يتمثل في وضع سياسات تنظم سوق العقارات وأيضًا وضع برنامج إسكان ممول بشكل جيد.
«بالم هيلز» نموذجًا: عندما قفزت أرباحها بنسبة 409%
شركة «بالم هيلز»، هي ثاني أكبر شركة تطوير عقاري في مصر، والنموذج الذي يُظهر حجم مبيعاته القفزة التي حققها الاستثمار العقاري في مصر خلال السنوات الأخيرة. خلال العام الماضي قفزت أرباح الشركة بنسبة 409%، بما يُعادل زيادة مقدارها 431 مليون جنيه في الربع الثاني من العام الماضي، مقارنة بنحو 85 مليون جنيه في نفس الفترة من العام الماضي.
وكان العام الماضي، شاهدًا على ارتفاع الأرباح الكلية للشركة، بنحو 192%، لتصل إلى مليار جنيه، وهو أكبر صافي ربح في تاريخها، بينما كان العام الجاري شاهدًا على زمن قياسي لمبيعات الشركة، إذ استطاعت، في شهر مارس (أذار)، بيع 108 وحدة من المرحلة الأولى لمشروعها غرب القاهرة «بالم فالي» في أقل من 48 ساعة، وهو المشروع الذي سيبدأ تسليم وحداته في 2020. هذا وتتراوح أسعار الوحدات السكنية لبالم هيلز ما بين 1.5 مليون جنيه وسبعة ملايين جنيه.
وعلى مدار الشهور الستة الأولى من العام الجاري، ارتفع حجم مبيعات الشركة بنحو 62% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، محققة خلال هذه الفترة أعلى مبيعات ربع سنوية تحققها الشركة في تاريخها، بينما تُشير التقديرات الأولية للشركة عن بلوغ حجم مبيعاتها في نهاية العام الحالي لنحو سبع مليارات جنيه.
وتبلغ عدد المشاريع، المسؤولة عن تطويرها، خلال العام الحالي 18 مشروعًا في مجال الاستثمار العقاري، من بينها مشروعات في القطامية و6 أكتوبر والساحل الشمالي.
هل تشهد مصر فقاعة عقارية خلال الفترة المقبلة؟
الواقع في سوق العقار بمصر، هو ارتفاع القيمة السوقية للعقار، وتجاوزه للسعر الحقيقي، والقيمة العادلة لثمن العقار، التي يُحددها الخبراء.
هذا الواقع، يبرره «هاني جنينة» رئيس وحدة الأبحاث في شركة بلتون للاستثمار، في تصريحات لـ«ساسة بوست»، إذ قال: «باتجاه المواطنين لاكتناز أموالهم في سوق العقار، أصبح متجاوزًا لمسألة البحث عن مسكن، ليصير هذا الأمر مرتبطا باستثمار آمن، ومُحققا أرباحا خيالية في أوقات زمنية قصيرة، بخاصة وأنه استثمار آمن، وليس فيه درجة مُخاطرة كبيرة، بجانب سهولة إدارته والاستحواذ عليه».
يضيف جنينة:
«الارتفاع الطبيعي لأسعار العقارات، كان عاملًا رئيسيًا في تطوره بشكل كبير، هو مضاربة الشركات العقارية، جنبًا لفكرة المضاربة عن طريق الأقساط، من جانب المستهلكين، فشريحة كبيرة من المصريين الذي يستثمرون الآن في العقارات يراهنون على بيع الوحدات العقارية التي يتملكونها بعد سداد عدد من الأقساط».
ويوضح جنينة أن توجه المستهلكين المصريين للمضاربة في سوق العقارات، تزامن مع توجه الشركات لمد أجل سداد أقساط الوحدات العقارية، من أربع سنوات إلى سبع سنوات، فضلًا عن لجوء بعض الشركات إلى إعفاء العملاء من سداد دفعة مقدمة لتشجيعهم على خطوة الشراء، مقابل رفع أسعار البيع.
والفقاعة العقارية، هي المرحلة التالية لمرحلة تجاوز سعر العقار لسعره الحقيقي والعادل بشكل مبالغ فيه، نتيجة هوس المستثمرين للاستحواذ على أصول العقارات، بأسعار شديدة الارتفاع، قبل أن ينتهي هذا الأمر بتراجع للأسعار بشكل مُفاجئ، فيما يُعرفه الخبراء «بالفقاعة العقارية».
وشهدت السوق العقارية في مصر، واقعًا مُشابهًا لحالة الارتفاع الجنوني، قبل أن تنتهي بحالة ركود في الأسعار، وذلك خلال الفترة ما بين 2004 و2008، إذ تسبت الأزمة المالية في انفجار فقاعة عقارية.
من وجهة نظر جنينة، فمسألة انفجار الفقاعة العقارية خلال الفترة المقبلة أمر غير دقيق، لأن «السوق لن يصل لمرحلة انفجار الفقاعة العقارية، لكنه قد يأخذ مرحلة من التباطؤ وثبات الأسعار على الأقل بعد أربع أو خمس سنوات مُقبلة من الآن».
ساسة بوست