مذ انتشرت ظاهرة «الحرّاقة» وأنا مسكونة بقصص نهاياتهم المفجعة. جمعت من مآسيهم ما يفوق رواية، وعندما ألقى البحر بذلك الكمّ من جثثهم على مكتبي، ما عرفت كيف أكتب عنهم.
«الحرّاقة» ليسوا من يحرقون أنفسهم، بل من يحرقون كل ّ شيء خلفهم. أكتبوا هذه الكلمة على «غوغل»، وأتحدّاكم ألاّ تبكوا، وأنتم تتفرّجون على شباب انتهى بعضهم وليمة لأسماك البحر.
لفرط الأهوال والخيبات، نسي هؤلاء النزعات الإجرامية للبحر، وصدّقوا أنّه رفيق درب، سيأخذ بأيديهم إلى الضفة الأخرى ، فألقوا بأنفسهم إليه. لكن، ليس للبحر يداً ليمدّها لمن جاؤوه على قوارب الموت، ولا عُرف عنه يوماً أنه صديق المُفلسين.
تلك المراكب الورقيّة المثقلة بحمولتها البشريّة، يتسلّى بها البحر، يبتلعها وهو يقهقه، ثم ّ يتقيّأ ركابها. يعيد جثثهم إلى الشواطئ التي جاؤوا منها، أو يرمي بهم شبه أحياء إلى الضفة الأخرى.
للموت أيضاً صرعاته، موضته، وتشكيلته الجديدة كلّ موسم.
قبل موضة الموت حرقاً، وصلتنا صرعة «الموت غرقاً» التي تفشّت في المغرب العربي، بعد أن راح اليأس يفصّل لأتباعه أكفاناً عصريّة من أقمشة الأوهام الجميلة.
(يتبع )