ربما تابعتم في الأيام الماضية فيلم (مشروع قلب العالم) الذي أسدل عليه الستار بقرار وزارة الاستثمار الاتحادية.. بعد أن ظل الفيلم يعرض على شاشات التراجيديا السودانية لعدة سنوات.. ودفع المستثمر السعودي مليون دولار ثمناً لـ(خُفي حنين) ليرحل بهما من السودان..
المصيبة ليست في هذا المشروع الموءود قبل أن يولد.. لكن المصيبة أن عشرات المشروعات الاستثمارية نالت نفس المصير في صمت وأنين مكتوم لا يلدغ إلا قلب المستثمر الأجنبي.
أشهر أفلام الرعب (الاستثماري) هذه.. ما حدث لرجل الأعمال المصري الشهير الدكتور أحمد بهجت.. والذي تقف أطلال مشروعه شامخة في طريق مدني لتذكِّر الناس بقصة (فسادلاند) الشهيرة..
و(فسادلاند) هو تحقيق صحفي نشرناه هنا في (التيار) قبل عدة سنوات.. سردنا فيه قصة مدينة الأحلام (دريم لاند).. التي انتهت إلى(بوابة) كبيرة بلا مدينة..
والله العظيم.. ثلاثاً.. وأنا أقسم لكم في رمضان الشهر المعظم.. قصة(فساد لاند) هذه تصلح لتدرس في كل كليات السودان.. في مادة (كيف تقتل الأحلام).. قتلاً.. تصوروا حكومة ولاية الجزيرة –آنئذ- تبيع أرضاً لمستثمر نقداً؛ ليبني عليها مدينة.. فيفاجأ بطلب الحكومة منه أن(يتفاهم مع الأهالي).. فيضطر أن يدفع لهم..ويبني لهم المدارس ويقدم لهم ما افترضوا أنه تعويض..ويظن أن المشكلة انتهت.. فإذا به يسير في سرداب طويل ينتهي باكتشافه أن الحكومة باعته أرضاً زراعية، رغم أنف شهادة البحث السكنية التي معه.. المهم الفيلم المكسيكي استمر على مدى سنوات بمنتهى الإثارة.. خلالها ذهب والٍ وجاء والٍ، وتجدد، ثم ذهب.. إلى أن جاء إيلا الذي ربما يكون – حتى هذه اللحظة – واضعاً كلتا يديه فوق رأسه من هول تفاصيل القصة.
عشرات القصص الأخرى لمستثمرين ينطبق عليه قول شاعرنا المجذوب في أغنية الفنان الكابلي الشهيرة(ليلة المولد):
(وردوه بالشوق.. وعادوا بالغبار..)
وردوا السودان بأشواق الاستثمار .. وعادوا بأشواك الاستحمار..
قبل عدة سنوات.. صديقي المستثمر السعودي؛ اتصل بي وأخبرني أنه ينوي الاستثمار الزراعي في السودان.. تحمست ورتبت له موعداً مع وزير الزراعة (الولائي؛ طبعاً)..وصل السودان؛ وذهبت به بمنتهى السعادة لوزير الزراعة.. بعد أقل من خمس دقائق بدا لي أن الصديق السعودي حوّل مجرى الاجتماع إلى مجرد (ونسة!) وتغافل عن موضوع المشروع الذي تعبت في ترتيب الموعد له.. و انتهى الاجتماع ولم يتحدث رجل الأعمال السعودي إطلاقاً عن أي مشروع..
اغتظت للغاية؛ وبمجرد خروجنا سألت رجل الأعمال السعودي بمنتهى الغضب.. لماذا تحول الاجتماع إلى (ونسة)؟ ضحك وقال لي (لقد اكتشفت كل شيء.. من أول جملتين نطق بهما وزيركم..).. وفعلاً سافر إلى مصر وأنجز نفس المشروع.. ولا يزال مشروعه هناك منتصباً شامخاً.. وأنجاه الله من الحسرة.. و..!!
ومن(خُفي حنين)!!