من خلال متابعتي لكثير من إذاعاتنا الخاصة في هذا الشهر الكريم لاحظت أن (حليمة لم تترك عادتها القديمة) و(الحال ياهو ذاتو الحال) كما كان قبل رمضان، الأغنيات العربية تسيطر على معظم البرامج اليومية والأثير مفتوح على مصاريعه للمستمعين للحديث في مواضيع ليست ذات جدوى .
لا نريد أن نقول إن الغرض من تلك البرامج هو المزيد من الكسب المالي من عائد تلك الإتصالات، وأن الغرض من بث الأغنيات العربية والغربية هو تخفيف الأعباء المالية على خزائن تلك الإذاعات، لأنها لا تحتاج إلى (تنازلات)، وبالتالي لا تكلف الإذاعة (مليماً) بحسب المفهوم لديهم، ولكننا نقول إن ما يحدث هو مجرد عبث تدفع ثمنه الثقافة السودانية، ضحيته تقاليد وقيم سمحاء عرف بها هذا الشعب الأبي على مر العصور، تعمل بعض الإذاعات على طمثها من أجل حفنة جنيهات تدخل خزائنها وبعدها لا يهم ماذا تكون النتيجة.
المؤسف أن الجهة التي منحت تلك الإذاعات تصديق البث ومزاولة النشاط بعيدة كل البعد عن ما يحدث، وكأنها غير معنية بالأمر وأن دورها هو منح التصديق بعد إستلام رسومه فقط .
المحيَر في الأمر أن وزارة الإعلام تعلم بكل التفاصيل ولكنها لم تحرك ساكناً، رغم أنها كانت قد وعدت من قبل وتوعدت بسحب تراخيص القنوات الفضائية وإذاعات الإف أم لتقديمها برامج وأغاني هابطة وخادشة للحياء، وهددت بفرض رقابة على الإذاعات والقنوات مماثلة للرقابة المفروضة على الصحف اليومية، واعترفت الوزارة بأن 80% من البرامج والأغاني المقدمة في الإذاعات والقنوات الفضائية هابطة وخادشة للحياء، بينما طالبت لجنة برلمانية وزارة الإعلام بسحب تراخيص إذاعات الإف أم والقنوات الفضائية التي طغى عليها هذا النوع من البرامج، وأعلن يومها الوزير أحمد بلال عن تشكيل لجنة بالوزارة لمراقبة البث الإذاعي والتلفزيوني بالبلاد.. وقال إن العقاب للمحطات المتجاوزة يصل إلى سحب الترخيص، فماذا تم منذ أن أطلقت تلك التصريحات لأننا لم نسمع بإذاعة أو فضائية واحدة أنه تم تحذيرها أو حتى مجرد لفت انتباهها.
حقيقة ما يحدث ليس بالهين، لأننا ودون مبالغة نكاد في كثير من الأحيان لا نستبين إن كنا ما نستمع إليه من إذاعات هل هي إذاعات سودانية أم أجنبية، فقد بلغ الحال أن تقام منافسات بين المستمعين لاختيار ما يحبون من أغنيات عربية مع إهدائهم نبذة تعريفية كاملة عن صاحب الأغنية قبل بثها، حتى بات كثير من شبابنا لا يفرقون بين محمد وردي ومحمد منير، بل ويعرفون عن منير أكثر مما يعرفون عن وردي.
أما ما تقدمه بعض الإذاعات في هذا الشهر الفضيل من برامج وأغنيات من (صباح الرحمن) وحتى المساء فحدث ولا حرج ، فالواضح أن القائمين على أمرها لم يعرفوا الشهر الكريم (رمضان) ولم يسمعوا بعد بمقدمه حتى وهو يحزم حقائبه في هذه الأيام تأهباً للرحيل.