تحدث زعيم ومؤسس الحركة الإسلامية في السودان الدكتور الراحل حسن الترابي في شهادته الحادية عشرة المسجلة لبرنامج “شاهد على العصر”، عن الخلاف بين مؤسستي الدولة والحركة الإسلامية بعد انقلاب 30 يونيو/حزيران 1989، وعن ما سماها أخطاء الحركة الإسلامية، وما نجم عنها من استشراء للفساد ولبعض الممارسات مثل الاعتقالات والتعذيب.
وقال الترابي إن الصراع دبَّ داخل المجلس التنفيذي الذي كان يضم قيادات الحركة الإسلامية مع أربعة من كبار الضباط من قادة الانقلاب وعلى رأسهم عمر البشير (الرئيس السواني الحالي) بشأن جهاز الأمن التابع للحركة، حيث رفض الترابي ورفاقه تبعية الجهاز للدولة، بحجة أنه جهاز قاعدي يؤدي وظائف للمجتمع لا للدولة.
وكان الترابي يتولى رئاسة المجلس التنفيذي، والبشير يرأس مجلس شورى سري هو الذي كان يراقب عمل المجلس، وكان يضم عشرين من العسكر وعشرين من المدنيين، ثم توسع الأعضاء لاحقا.
وأضاف أن الحركة الإسلامية كان لديها خطة للحكم وآراء كثيرة، لكنها اصطدمت بعراقيل عدة. فقد أرادت على سبيل لمثال أن يبدأ الإسلام في القوات المسلحة، وأن يكون جميع المجتمع السوداني مدربا على غرار نظيره السويسري، وإدخال الخدمة الوطنية على كل الطلاب من خلال تجنيدهم شهورا.
وقال الترابي إن السلطة وقوتها كانت بيد الإسلاميين، لكنهم تسامحوا مع من كانوا يمسكون ظاهريا بأمور الدولة، لكنهم كانوا “يجهلون أن السلطة يمكن أن تفتن من تربى وتزكى في حركة دينية عشرات السنين”.
وأكد أنهم في الحركة الإسلامية (الجبهة الإسلامية القومية) كانوا يتحدثون عن الفساد في بداية ظهوره، وهو شخصيا قال “بدأ الفساد بضعا في المئة، ولكن البضع سينتشر كالسرطان إذا لم يحاصر”، وهو ما أثار -بحسب المتحدث- غضب الرئيس السوداني في ذلك الوقت.
وكشف أن محافظا من الحركة الإسلامية كان قد اعترف بتصرفه في المال العام فتمت محاكمته وأدخل إلى السجن، وكان ذلك الحادث أول ملامح الفساد في البلاد.
وبحسب الترابي، فقد كانت الحركة الإسلامية تتجنب توظيف الأقارب والأهل في مناصب الدولة، وأن لا يظهر على أعضائها الثراء حتى لو كان المال قد جاء بالوراثة، “لا تبنِ بيتا وأنت وزير”، غير أن هذه الشروط لم تكن تنطبق على بعض الأطراف في الدولة خاصة من المؤسسة العسكرية، حيث تم تعيين الأقارب والمعارف في المناصب، وقال إنه حاول إيقاف تلك الانحرافات، لكنه لم يكن يحط بكل شيء في الدولة.
أخطاء
وأقرَّ بأن من أهم أخطاء الحركة الإسلامية كانت الاعتقالات التي لاحقت الناس وحرياتهم، حيث قام جهاز المخابرات الرسمي -وكانت غالبية عضويته من الإسلاميين- باعتقال السودانيين وتعذيبهم في ما عرف بـ”بيوت الأشباح”، كما انتشر الفساد “تحت سمعي وبصري.. وعجزي”.
كما ذكر أن مسألة السرية التي “أكره” الإسلاميون عليها، ساهمت في دفع الحركة لارتكاب الأخطاء، وقال إن السرية جاءتهم من تجارب الحركات الإسلامية الأخرى، وهي “أكبر المخاطر في الحركات”.
غير أن المفكر والسياسي السوداني الراحل أشار في شهادته الحادية عشرة المسجلة، إلى أن الحركة الإسلامية حققت خلال تلك الفترة نجاحات، إذ وصلت للمناطق البعيدة التي أهملها الحكم منذ عهد البريطانيين، واجتهدت كثيرا في جنوب السودان وغربه ونشرت اللغة العربية حتى في مناطق لم تكن تتحدث بها في شمال السودان، ونشرت أيضا التدين في ربوع البلاد.
يذكر أن الحركة الإسلامية السودانية بزعامة الترابي كانت قد خططت لانقلاب يوم الجمعة 30 يونيو/حزيران 1989 الذي قاده العميد الركن عمر حسن البشير، الذي أعلن نفسه رئيسا لمجلس قيادة الثورة وأسس مجلسا للثورة.
واتفق الترابي مع البشير على سجنه رفقة آخرين من أبناء “الجبهة الإسلامية القومية”، وذلك حتى لا ينكشف أن الإسلاميين هم من وقفوا خلف الانقلاب.