لماذا يتفوق علينا الغربيون بقيمنا؟ أنظر – على سبيل المثال – إلى عملية صناعة الطائرة التي تصدرها لنا المصانع الغربية، على أن ثمة مجموعة قيم قد تضافرت في عملية صناعتها، لتجعل المسافر يحلق في السماء وهو مطمئن على سلامته، أعني قيم الإتقان والأمانة والصدق والإخلاص، ولو أن قيمة واحدة من هذه القيم لم تؤد على وجهها الأكمل لكانت هنالك مخاطرة كبيرة على حياة المسافرين.
* وفي المقابل بإمكانك أن تنظر إلى صناعاتنا في الشرق الإسلامي، صحيح إنه ليست لدينا مصانع طائرات، ولكن أنظر في المقابل إلى عمليات حوادث سقوط العمائر والبنايات، التي تحدث نتيجة عمليات الغش في المواد وعدم الإتقان التي نمارسها في البنيان.. بل يكفي في أسواقنا أن تقول إن هذه البضاعة إنجليزية أصلية أو ألمانية أو حتى يابانية لتستحوذ على ثقة المستهلك، وفي المقابل يكفي أن تعرف بأن هذه السلعة صنعت في دولة شرقية عربية إسلامية لتهرب منها.
* أتصور إن هذا ناتج عن فهمنا الخاطئ إلى عمليات التدين الذي غالباً نختزله في أداء الشعائر، وفي واقع الأمر لم تكن هذه الشعائر إلا أدوات تربوية إعدادية تأهيلية إلى العبادة الحقة التي هي بامتياز عمارة الأرض، بمعنى يفترض أن نتعلم من الصلاة النظام والطهارة والمساواة، ومن شعيرة الزكاة نتعلم قيم الإحسان والتخلص من الأنانية، والحج وسيلة تربوية إعدادية لتحمل المسؤولية والمشاق للتأهل إلى السعي المخلص والضرب في الأرض ابتغاء تفجير الطاقات للإنتاج المتقن و.. و..
* ومن هنا نستطيع أن تستوعب مغزى شهر الصيام، وهو بمثابة (ورشة عبادة) ومدرسة تربية (مدرسة الثلاثين يوما) وذلك حتى يتسنى لنا التخرج من مدرسة شعيرة الصيام بشهادة (لعلكم تتقون) أي لعلكم تتحركون في الأرض لاعمارها بقيم الصدق والإتقان والتفاني والصدق والإخلاص و.. و..
* عندئذ ستكون عمائرنا غير قابلة (للسقوط) لأننا لن نمارس فيها غشا، وكذلك خدماتنا العامة وصناعات ومكتسباتنا، وذلك حتى لا تصدق فينا المقولة الشهيرة.. “ذهبنا إلى الغرب فوجدنا إسلاماً ولم نجد مسلمين، ونزلنا إلى الشرق فوجدنا مسلمين ولم نجد إسلاماً”.
* مخرج.. يفترض أن حتى تعاملنا الجمعي في الدولة وممارسة السياسة قد تغير هو الآخر، حتى نقبل بعد رمضان لبناء الثقة والإجماع والإصلاح والاستقرار، وصناعة مستقبل أفضل لبلاد النيل والشمس والصحراء.. فما الأحزاب والكيانات والتجمعات إلا مجموعة أفراد يفترض إنهم يحملون شهادة (لعلكم تتقون).. بعد تخرجهم في مدرسة الثلاثين يوماً.. أما إن (عادت حليمة إلى قديمها) فكأننا لا رحنا ولا جينا.. ولا صمنا ولا حجينا.. نسأل الله تعالى أن يسدد الخطى ويبارك المسعى، ويلهمنا الرشد والصدق والقصد.. والله ولي التوفيق..