هل قال النائب الأول السابق للرئيس السوداني عمر البشير شططا، حتى تمور أروقة حزب المؤتمر الوطني الحاكم مورًا بالغضب والسخط ويضاء الضوء الأخضر لقيادات من الصف الرابع لتتولى الرد وبلغة لم تراع مكانة الرجل ظل في الصف الأول من القيادة التنفيذية والسياسية للدولة والحزب لمدة ربع قرن من الزمان؟. نعم قال الرجل شططا في رأي أولئك، عندما انتقد كثيرا من المواقف السياسية انطلاقا من قضية الحوار الوطني الذي تسعى الدولة لتسويقه أملا في إيجاد مخرج من النفق المظلم الذي تردت في دركه البلاد.
قال طه في إفطار رمضاني في منزله مع مجموعة من اتحاد الشباب وعدد من الصحفيين، إن الشعب السوداني لم تٌنزّل إليه فكرة أن الحوار سلوك حضاري وأسلوب تعامل يومي.. وبدون ذلك لن تكون هناك فائدة حتى لو تم اتفاق بين الأحزاب والتنظيمات السياسية المتحاورة على كل نقاط الخلاف. والنقطة الأكثر إثارة في انتقادات الرجل عندما شبه الحوار الوطني الذي مرت عليه أكثر من ثلاث سنوات بجراب الحاوي، وجراب الحاوي يخفي الكثير الذي لا يمكن التنبوء به وقد يكون شيئا سارا أو العكس.
وسارت رياح أعداء الرجل عاصفة تخوف قيادة الدولة من مقصد الرجل الذي أراد به تبخيس الجهد المبذول لكونه غاضب بعد مغادرته المنصب الرفيع.. وتحولت الهجمة المرتدة إلى ردود رسمية من جانب الحزب الحاكم وقال نائب رئيس القطاع السياسي في الحزب: “إن حديث علي عثمان رأي شخصي ولا يمثل رأي الحزب بل وأن ذلك أحدث تأثيرًا ليس فقط داخل المؤتمر الوطني بل امتد تأثير ذلك للأحزاب المشاركة في الحوار”.
وأغفل المتربصون بالرجل عن عمد دعوته الأبوية للشباب: “لا تدعوا راية الحوار تسقط، فالحوار ليس مجرد واقعة زمانية مكانية بأشخاص محددين حول قضايا يتناقشوا فيها، يختلفوا أو يتفقوا”. داعيا لأن يكون الحوار منهج وسلوك يومي يتسع ويتعمق.
وأعتبر الرجل أن كل الأحزاب السياسية السودانية أخطأت في بعضها، ويفهم من ذلك أن الحزب الحاكم ضمنها. ويرى أن تلك الأحزاب درجت على عدم قبول الآخر وتبخيسه والحط من قدره. وقال متحدثا عن ما وصفه بخطيئة الحركة اليسارية؛ أن الأحزاب اليسارية خاصة الحزب الشيوعي حاولت استنبات فكرة الصراع الطبقي في بلد ليس فيه طبقات حقيقية في محاولة لإشعال روح الحقد. لكن الرجل استدرك وقال إن ليس معنى ذلك أن الحركة اليسارية السياسية بلا إيجابيات وبلا نقاط مضيئة في المسار العام، فهم بنفس القدر يقومون الآن بمراجعات ويعتقدون أنهم ظلموا أنفسهم وكذلك الآخرين عندما اعتبروا أن الإسلاميين وكل الحركات الأخرى ليس لها من فضل وليس لها من إيجابية.
بعض المقربين من طه يقولون إنه بعد عن ترك المواقع التنفيذية والسياسية، شرع في إجراء مراجعات نقدية شاملة ودعا الحركة الإسلامية إلى عدم احتكار السلطة وقد ضرب مثالًا بين مناهج الحركة الإسلامية التونسية ورصيفتها السودانية فالأولى أعادت قراءة الواقع بشكل جيد. ولم يكن الرجل على ما يبدو يريد أن يخفي شيئا لعلمه بوجود الصحفيين وبالتأكيد وجود العناصر الأمنية، بل مازح الصحفيين قائلا: “ما تمشوا تنشروا كلامي هذا وتعملوا لينا مشاكل”.
كان طه يعتبر الأقرب لخلافة الرئيس البشير بمعايير كثيرة لكن الهواجس والصراعات التي تبتعد في أساليبها عن المؤسسية جعلته اليوم بعيدا عن هذا الموقع الذي لابد وأن يشغر يوما ما. فعند وفاة النائب الأول الأسبق في حادث سقوط طائرة في عام 1998م، وجد البشير في طه الرجل المناسب للقيام بمهمة النائب الأول.. وكان نجمه قد برز عندما انتخب رئيسًا لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1967م.. وقد ظهرت مواهبه السياسية منذ أن ابتعث وعمره 30 عاما إلى بريطانيا في عام 1977 للقاء زعيم الجبهة الوطنية المعارضة لحكم الرئيس الأسبق جعفر نميري، لينقل وجهة نظر جبهة الميثاق الإسلامي حول عملية المصالحة الجارية حينذاك مع نظام نميري.. كذلك استفاد طه كثيرًا من تقديمه المبكر للقيادة، تحديدًا منذ عام 1986م عندما أصبح نائبًا للأمين العام للجبهة الإسلامية القومية التي كان يقود أمانتها العامة الراحل الدكتور حسن الترابي، وكذلك قيادته للمعارضة البرلمانية في مواجهة الصادق المهدي 85 – 1989.
قد لا يعني الشعب السوداني ذلك الصراع المستعر داخل الحزب الحاكم، بقدر ما يعنيه كيف يدير ذلك الحزب المستأثر بالسلطة منذ 1989 شؤونه الداخلية؛ فإن لم يستطع قبول الرأي الآخر والنصح حتى ولو أعتبر الرجل مواطنا عاديا من حقه الجهر بقوله، فإنه بالضرورة ينطبق عليه القول المأثور أن فاقد الشيء لا يعطيه. وهذا ما يفسر حالة الاحتقان السياسي التي تعتري الساحة السياسية.