هذه علاقة أخرى عن الكتب وحب اقتنائها والارتباط بها، لكنها في هذه المرة تتطرف أكثر وتصل إلى مرحلة مرضية تتجاوز الولع الطبيعي وتصل إلى درجة الهوس الذي يقترب في شكل ممارسته من الجنون الاقتنائي، بحيث يتحول الشخص من قارئ نوعي يسعى صوب الاستنارة إلى شخص مهووس بتجميع العناوين ومطاردة فعاليات الكتاب ومعارضه في أي مكان سعيا لامتلاك أكبر قدر من الكتب على أمل قراءتها مستقبلا، وأيضا للتباهي بعرضها في مكتبته المنزلية الضخمة أو حين تدور المثاقفات حول كتاب بعينه ليصرخ الـ “ببلومانيي”: لدي منه نسختان. أو ترجمتان. أو أمتلك كل طبعاته الثلاث! وإذا لم يبالغ في رد فعله فإنه قد يكتفي فقط بذكر أنه أحد أوائل من امتلكوا نسخة من هذا الكتاب في أول صدور له قبل أن ينتبه إليه أحد!
ومريض الـ “ببلومانيا – Bibliomania”، رغم أنه قد يصل في تدرج طبيعي إلى مرحلة يستحيل معها قراءة كل العناوين التي تزين مكتبته، أو التي تتكدس في حقائبه وخزائنه الداخلية، إلا أنه من الطبيعي أيضا أن يتمتع مثل هذا الشخص بثقافة رفيعة تجعله متميزا في محفل ثقافي يشارك فيه، وإن كان مجرد جلسة مثقافة بين عدد من الأصدقاء. فخلال الانتقال من مرحلة “حب الكتب” الطبيعية إلى مرحلة “الحب المرضي الكتاب” يراكم هذا الشخص معارف وثقافات تميزه عن الآخرين بحكم الميل الطبيعي للقراءة، الذي غالبا ينمو معه منذ مراحل الطفولة الباكرة قبل أن يلتف ويتحور إلى تلك الحالة “الاستعراضية”، التي تتجاوز فعل القراءة وتتوقف فقط عند فعل الاقتناء المادي للكتاب وتصفحه – ربما – سريعا على أمل إكمال قراءته في يوم لن يأتي أبدا.
التأثير المادي أحد الآثار الماحقة التي يخلفها مرض الـ “ببلومانيا – Bibliomania” وتؤثر على المصاب وعلى محيطه الأسري بشكل مباشر، فمريض الـ “ببلومانيا” يمكنه أن يصرف كامل راتبه الشهري – مثلا – في شراء مجموعة من الكتب الجديدة التي صادفته مباشرة بعد صرفه لهذا الراتب؛ ففي هذه اللحظة النادرة لن يفكر هذا الشخص في شيء آخر بخلاف امتلاك هذه العناوين المعروضة، كل شيء يتضاءل أمامه عدا رغبة الامتلاك السريع لهذه الكتب، احتواءها واحتضانها والعودة بها إلى المنزل منتصرا.