جدل النكات.. صناعة الضحك أم تمزيق النسيج الاجتماعي؟ مرافعة ومنافحة

تهتز الخيمة بفعل أصوات الاختلاف حتى يخيل إليك أنها ستسقط على رؤوس الحاضرين في فندق ريجنسي بالخرطوم.. الحاضرون أنفسهم يسقطون بفعل نوبات الضحك المتتابعة على عروض مجموعات وفرق الكوميديا محمد موسى برفقة عبدالله.. يعيدون ترتيب مقاعد (المدرسة).. سياط نقدهم تلهب ظهور جميع الممسكين بملفات جعلنا شعباً سعيداً.. في المنصة يجلس عمر عشاري مزهواً بكونه مثقفاً يحمل عصاة النقد محاولاً أن يضع مدماكاً جديداً لإعادة بناء وطن مزقته الحروب في نسخها السياسية وتمزقه الآن النكات التي تنحو في اتجاه (التنميط)، وتغرق في بحر التقليل من كفاءة مجموعات سكانية وتصعد على جدار القبلية لتمزق ما تبقى من نسيج مهترئ.. هكذا يرى عمر عشاري، وهو يقود معركته الهادفة لزيادة الحساسية بما يقدم وتوظيفه لخدمة البناء المستقبلي.. يخوض عشاري معركته مع الفرق الكوميدية في هذا الإطار ويختار مقعده في مناظرة خيمة الصحفيين من أجل هذا الغرض في ليلة أمسكت بدفة أدارتها مشاعر عبد الكريم واختير لها عنوان (الفكاهة بين التنميط والترويح ) بينما مثل علي حسين (همبريب) منصة الدفاع عن الفرق الكوميدية معتبراً أنها تؤدي دور صناعة الضحكة والفرحة في أوساط بسطاء كل شيء يشقيهم .

ترويح أم تنميط
كان السؤال الرئيس الموضوع في المنصة هو النكتة هل هي للترويح أم للتنميط ؟ المفارقة أن الإجابة بدت وكأنها لا تراوح مكانها من احتشدت بهم جنبات الصالة انقسمت انفعالاتهم بين التصفيق لكلمات عشاري التي كانت تقف في محطة أن ما يتم فعله من خلال هذه المجموعات يزيد من درجات الاحتقان، ويقلل ويحط من كرامات مجموعات وأفراد.. ذات الذين تلهب أكفهم التصفيق لصالح عشاري كانوا ينخرطون في نوبة من الضحك الهستيري مع ما يقدمه الكوميديون، وفي ذات اللحظة وهو ما أعلن عن نتيجة واحدة مفادها أن النكتة مطلوبة مع وضع المحاذير التي تجعلها تمضي في اتجاه ما يقرب وليس ما يبعد على همبريب بدا وكأنه قد تم تجريده من أسلحته كافة، لكنه لم يعدمها تماما حين عاد بالرد الحاسم ما عجزتم عن إنجازه على المستويين السياسي والاجتماعي تريدون أن تلقونه على عاتق هذه المجموعات التي تؤدي دورها في رتق النسيج وليس تفكيكه.. تتساءل (همبريب) كنتم تضحكون ثلاثين عاماً وفجأة اكتشفتم أن ما يضحككم هو الذي (يفرتق البلد) كيف تحكمون؟ وكمن يحاول إبعاد التهمة عنه يقول محمد موسى أن البعض اتهمهم بأنهم ساهموا في فصل الجنوب من خلال تنميط شخصية الجنوبي، فكيف يتم تفسير دعوتهم للمشاركة في احتفالات استقلال دولة الجنوب؟

عشاري وهمبريب
معركة التنميط والترويح في خيمة الصحفيين بدت وكأن قصة أخرى تكتب فصولها عند ليلة كانت المتعة فيها حاضرة مع مشاركة عوض شكسبير الذي عرض أعماله على طريقته، ولم يترك طارق الأمين الليلة تمضي دون أن يضع فيها بصمته بالقول إن التراجع في التعاطي مع مشهد الكوميديا يتكامل مع التراجع مع كل مشاهد الوطن، وإن المعالجات يجب أن تكن كلية وليست جزئية، وحده الفنان حسن محجوب كان قادراً على تلطيف أجواء الليلة الصاخبة بالضحكات والتصفيق من خلال ترديده لدرر الحقيبة واستدعائه لأغنية ست البيت قبل أن يختم الليلة بـ (مرضان سيادتك).
ختمت الليلة بعناق حار بين معسكرات الضد عشاري وهمبريب.. البعض تهامس بأن الحوار لم يكن متكافئاً بين من مهنته إضحاك الناس وآخر يمتهن إقناعهم بالكلام، لكن في المقابل فإن معركة المداخلات كانت إثراءً آخر للنقاش، وإن القضية الآن وضعت على نار هادئة حتى تنضج.. حتى ذلك الحين، فإن محمد موسى سيواصل إضحاك الناس بنكاته وسيواصل عشاري احتجاجه على ما يقدم .

الخرطوم – الزين عثمان
صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version