يشرح وزير المالية للبرلمان حيثيات الديون الخارجية البالغة 45 مليار دولار.. فيما تزداد الأوضاع المعيشية ترديًا يوما بعد يوم

نهار أمس الأول علت أصوات عدد من نواب البرلمان بالرفض، عندما قام وزير المالية والتخطيط الاقتصادي بالرد على استفسارات حول القروض الربويّة والديون الخارجية، وجاء في معرض حديثهم بأن الرد غير مقنع وأن الإجابة عائمة ولا ترتقي إلى مستوى الحال، النواب أعلنوا رفضهم بعد أن أسهب بدر الدين محمود في شرح حيثيات الدين الخارجي والذي بلغ 45 مليار دولار، قال إن 17.2 مليار دولار منها موزعة على القطاعات الاقتصادية المختلفة وإن الفوائد التعهدية والتأخيرية بلغت 27.8 مليار دولار، واشار إلى ن اصل الدين يبلغ 38 % بينما تصل فوائده إلى 62 % وكشف عن وجود لجنة برئاسة النائب الأول وعضوية وزراء وخبراء لمتابعة قضية الدين الخارجي.
(1)
حسنا.. تطفو إلى السطح قضية الديون الخارجية للسودان كلما تعثرت الأوضاع الاقتصادية بالداخل وتعزو وزارة المالية تدهور الوضع الاقتصادي إلى تحملها عبء الدين الخارجي والعبء الأثقل المتمثل في الحصار الاقتصادي المقروض على السودان منذ تسعينيات القرن الماضي. وعلى الصعيدين لا توجد بارقة أمل في الوصول إلى حلول جذرية للقضيتين لأن الأسباب ـ كما تُلمِّح الحكومة ـ سياسية في المقام الأول، خاصة وأن السودان استوفى جميع متطلبات مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون والمعروفة باسم (الهيبيك)، وبالرغم من كل ذلك فإن وزير المالية ومحافظ البنك المركزي لا يألوان جهدا في نبش ملف الديون الخارجية عند كل اجتماع للبنك وصندوق النقد الدوليين، وهو الأمر الذي حدث في الاجتماع الأخير بدولة بيرو، حيث طالب وزير المالية مدير عام صندوق النقد الدولي ببذل مزيد من الجهد للاستفادة من مبادرات إعفاء الديون وقال إن أكثر من 16 دولة استفادت من الإعفاء ولم يتبق إلا ثلاث دول هي السودان وزيمبابوي والصومال في ظل تأكيداته المستمرة بأن السودان استوفى جميع الاشتراطات الفنية المطلوبة للإعفاء من الديون.
(2)
وبالرجوع إلى مبادرة الهيبك، واشتراطاتها نجد أنه يجب أن يكون هذا البلد في وضع لا يستطيع معه تحمل أعباء الديون التي تثقل كاهله بصورة مستديمة عقب التطبيق الكامل للآليات التقليدية للتخفيف من أعباء الديون، مثل تطبيق شروط نابولي بموجب اتفاق نادي باريس. ويعتبر أي بلد في وضع لا يستطيع معه تحمل أعباء ديونه بصورة مستدامة إذا كانت نسبة الديون إلى الصادرات أعلى من 150 في المائة على نحو ثابت، أو إذا كان اقتصاد البلد شديد الانفتاح وإذا كان الاعتماد على المؤشرات الخارجية فقط قد لا يعكس بصورة كافية عبء المالية العامة الذي يمثله الدين الخارجي وعندما تكون نسبة الديون إلى إيرادات الحكومة أعلى من 250 في المائة ويجب أن يكون مؤهلاً للحصول على مساعدات ميسرة بنسبة كبيرة من المؤسسة الدولية للتنمية، وهي ذراع البنك الدولي المعني بتقديم قروض واعتمادات بشروط ميسرة للغاية، ومن تسهيل النمو والحد من الفقر (PGRF) التابع لصندوق النقد الدولي. ويجب أن يكون لدى هذا البلد سجل حافل بالإصلاحات، مع وثيقة استراتيجية تخفيض أعداد الفقراء تتضمن مشاركة المجتمع المدني وتؤكد وزارة المالية انها قامت بكل هذه الشروط للحصول على هذه المبادرة.
(3)
لم يكن اجتماع بيرو وحده الذي حمل فيه وزير المالية هم مشكلة ديون السودان ففي اجتماعات بنك التنمية الأفريقي التقى على همشه بمساعد وزير الخزانة الأمريكية وتطرق اللقاء إلى قضية الدين كقضية محورية بين الطرفين ودار حديث حول عقد لجان فنية في إطار البنك الدولي للتحضير لإعفاء الدين كإجراء تحضيري وفني غير أن محمود وقتها ركز على جزئية الاتفاقية الصفرية المقدمة كمقترح مع دولة جنوب السودان وهو مقترح تجاوب معه المجتمع الدولي حينها. وبحسب متابعات (اليوم التالي) فإن عددا من الدول قامت بإعفاء ديونها على السودان وفي مقدمتها البرازيل وعدد من الدول الأوروبية إلا أن ذلك لا يظهر في وسائل الإعلام خوفًا من ضغوطات قد تتعرض لها بسبب الحصار الأمريكي مما يؤكد أن المسائل تتعلق بالشأن السياسي.
(4)
وعلى الرغم من الحديث الكثير الذي يدور حول قضية الديون الخارجية إلا أن هنالك آراء ترى أن هذه الديون لا تمثل أي إعاقة تنموية للسودان وقد أكد ذلك وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي والذي قال في ملتقى حماية المستهلك الذي أقيم تحت عنوان (سياسية التحرير مالها وما عليها) العام الماضي إنهم لم يسمعوا بدولة تم سجنها في ديون مما يتطلب من أولى الأمر الاقتصادي التركيز في المسائل الاقتصادية الأخرى، إلا أن رأيا مخالفا يتبناه عدد من المراقبين الاقتصاديين بأن عدم إعفاء الديون الخارجية للسودان يعرقل مسيرة التنمية ومشاريع البنى التحتية التي تحتاجها الدولة لزيادة الإنتاج والإنتاجية في القطاعات الحقيقية لأن عدم إعفاء الدين يحرم على السودان الحصول على التمويل من الصناديق الدولية والمانحين من الدول الغربية.

اليوم التالي

Exit mobile version