عشر سنوات كاملة قضاها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون منذ استلامه منصبه 2007م، تعرّض خلالها لانتقادات لم يتعرض لها سابقوه من الأمناء السبعة. وأشدّ انتقاد تم توجيهه له بشكل عام هو شعوره بالقلق الذي ظلّ يلازمه منذ توليه منصبه وحتى الآن. وصلت سخرية البعض بأنّهم قلقون من قلق بان كي مون المربح، وعلى حدّ قولهم فهو يتقاضى حوالي 35 ألف دولار شهريا ليقوم بأسهل مهمة وهي القلق. كما يُصاب العالم كذلك بالقلق عندما يتأخر في التعبير عن قلقه، الذي أصبح متلازمة البيانات والخطابات المستنكرة والشاجبة لأزمات تدور في بقاع هذا العالم المضطرب وعندما تزلزل الدنيا أحداث جسام. أحصى المتابعون لتعابير الأمين العام للأمم المتحدة، عدد المرات التي قلق فيها فوجدوها في السنة الماضية وحدها حوالي 180 مرة أي بمعدل قلق كل يومين، منها 27 قلقا لليمن وحدها. والبقية موزعة بين سوريا والعراق وشرق أوكرانيا وأفريقيا.
كما وجّه عدد من الموظفين الدوليين، ومنهم مسؤولة مكتب خدمات المراقبة الداخلية المكلف بمكافحة الفساد في الأمم المتحدة إينغا بريت الينوس، اتهاما للأمين العام في تقرير قدمته بأنّ أعماله وردود أفعاله ليست مؤسفة فقط بل تستحق العقاب.
ويبدو أنّ حالة من التدهور بدأت تسري في مفاصل المنظمة الدولية، ربما تعيد تاريخ أفولٍ تمّ بشأن المنظمة الأم وهي عصبة الأمم. عندما تم إنشاء الأمم المتحدة عام 1945م، بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية كان بسبب فشل عصبة الأمم التي قامت في الفترة من 1919 إلى 1945 م، وتم فتح عضوية الأمم المتحدة لكل الدول المحبة للسلام والتي تقبل التزامات ميثاق الأمم المتحدة وحكمها. ما يحدث الآن يدعو إلى شيء من العصف الذهني في موضوع فشل الأمم المتحدة ممثلة في أمينها العام في الدفاع عن حقوق الإنسان. وهذا الاتهام ليس ملاحظات عابرة من شعوب العالم الثالث المنكوبة التي لا تدرك ماهية دور الأمم المتحدة الأساسي، وإنّما انتقاد وجهته منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرها السنوي منذ 2010م إلى كي مون متهمة إياه بالفشل في الدفاع عن حقوق الإنسان في الدول ذات «الأنظمة القمعية»، مما دفع مكتب الأمين العام للأمم المتحدة للدفاع عنه موضحا أنّ بان كي مون «استخدم الدبلوماسية الهادئة كما أنّه مارس ضغوطا من أجل وقف هذه الانتهاكات».
التقت أهداف العصبة والتي تمثلت في منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، مع أهداف الأمم المتحدة الحالية. وكما كانت التدخلات الدولية أو التراخي وغضّ الطرف عن فظائع تُرتكب في حق الشعوب، تخضع لحسابات الدول العظمى سابقا، يحدث مثله الآن.
وها هي الآن الأمم المتحدة تثبت عجزها عن حلّ المشكلات الدولية، كما أثبتت من قبل العصبة عجزها عن حل مشاكل شبيهة وفرض هيبتها على جميع الدول دون استثناء. ومثلما يستهزئ المغردون الآن بمواقف وقرارات وردود أفعال الأمين العام، حدث ما يشابهه من استهزاء دول معسكر المحور بقرارات العصبة ولم تكن تأخذها بعين الاعتبار، بل كانت تستخدم العنف تجاه جيرانها من الدول والأقليات العرقية قاطنة أراضيها، خلال عقد الثلاثينيات من القرن العشرين.
استمر الحال إلى أن قامت الحرب العالمية الثانية والتي كانت دليلا مباشرا على فشل العصبة في مهمتها الرئيسة، وهي منع قيام الحروب المدمّرة. وما إن وقفت الحرب حتى تمّ حل العصبة، وخلفتها هيئة الأمم المتحدة، التي ورثت عددا من منظماتها ووكالاتها. فهل يجيء اليوم الذي يعلن فيه العالم فشل هيئة الأمم المتحدة ليتم تكوين جسم آخر أكثر إحساسا وأقل ترهلا؟