ويل لنا من التقنيات الجديدة!

أرجو أن تتمعنوا في المقال التالي المنقول والذي هزني بعنف، ذلك أنه لا يتحدث عن الخطر الحالي الذي نشهده اليوم عن كيف غيرت التقنية حياتنا وأوقاتنا وأعمارنا وعلاقاتنا بربنا وبالأقربين داخل بيوتنا، إنما يُنذر بخطر أكبر قادم لا يدرك أبعاده أحد.. قادم يتحرك نحونا بسرعة مذهلة.. قادم يوشك أن يغير جينات البشر بعد أن غير جينات الحيوان والنبات.

سرعة التغيير المدهشة يصنعها تسارع التقنية التي بلغت مراحل متقدمة يفضي بعضها إلى بعض في شتى مجالات الحياة، إذ ما عادت الهندسة هي ذات الهندسة التقليدية التي عهدناها إنما باتت تمتطي ظهر التقنية التي دخلت في كل أوجه حياتنا فما نمتطيه من سيارات ومركبات وطائرات وقاطرات لن يكون هو ما نتعامل معه وبه اليوم ووسائل العلوم الطبية التي نتعامل بها لن تعود كما كانت وكل شيء لن يصبح كما هو اليوم فهلا سرحنا ببصرنا وتأملنا في الكيفية التي سنتعامل بها مع القادم الجديد بعد أن عجزنا عن كبح التقنية التي باتت تسيطر اليوم على أوقاتنا وأعمارنا وعلاقاتنا؟!

أرجو أن تقرؤوا وتتأملوا :

في بعض الأحيان.. الندرة تجمع والكثرة تفرّق.. في زمن فائت، كانت العائلة تسكن في غرفة واحدة، تجلس على مائدة واحدة، تشاهد تلفزيوناً واحداً، لتتابع مسلسل السهرة الواحد، تطلق ضحكة واحدة، كما في البيت تلفون واحد، تعرف المتصل وماذا يريد ومن يريد، كانت الملامح مكشوفة للجميع، وصفحات الوجوه مقروءة بفواصلها ونقاطها بفقرات الفرح وهوامش الحزن.. كانت القلوب قريبة ومتراصة مثل قلادة التّين المجفّف..

الآن الوضع اختلف، البيت عبارة عن مطار.. الجميع يدخلون من نفس البوابة لكن كل يتوجه إلى “راحته” و”رحلته”، صالة الجلوس شبه فارغة.. كل فرد في غرفة منفصلة ينتظر إقلاع يومه المليء بالعزلة، طعام الغداء مثل تذاكر “المترو” أوقات متقاربة لكن ليست موحدة كي لا يحدث تصادم بالأطباق، الشاشة صارت شاشات.. ومسلسل السهرة لا يقبل القسمة على أحد، ما يضحكك لم يعد يضحك غيرك.. كلٌّ يمسك بهاتفه يفرغ حواسه جميعها فيه.. وبالضرورة لا تعرف المتصل وماذا يريد ومن يريد.. الملامح مغلقة، صفحات الوجوه عليها “باسوورد” لا تعرف ما الذي يسكن هذا المنشغل بقبيلة التطبيقات الذكية أشقيٌّ أم سعيد…

الاطمئنان عن الأخ صار بالتأكد خلال آخر ظهور على “الواتساب”، وبر الوالدين يقتصر على “الحالة” أو “البيج كوفر” ، التعبير عن الفرح مجرد “لايك”، والقيام بواجب العزاء صار من خلال “شير وكومنت” على الفيسبوك، ولقاء الأسرة اليومي من خلال “جروب” مغلق…

كلما قررت شركة الاتصالات بزيادة “الجيجا بايت” للمشتركين، وضعت يدي على قلبي خوفاً من انخفاض “اللقاء البيتي” للمشتركين.. وكلما قوي بث شبكة الواي فاي.. كلما ضعف بث شبكة “العاطفة” وأصبحت العلاقات الحميمة باي باي.. أخشى إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، من انعزالية طوعية للناس، أخشى أن يصبح اللقاء العائلي مثل اجتماع الهيئة العمومية للشركات المساهمة يعلن عنه في الصحف اليومية.. حيث يعقد مرة واحدة في السنة.. يتلى فيها ما جرى من أحداث خلال العام.. ثم ينتخب رب أسرة جديد في حال العجز أو المرض أو الوفاة أو يجدد للسابق بالأغلبية.

أغلقوا هواتفكم.. ضعوها في حقائبكم.. والتقوا بأرواحكم لا بأجسادكم …

فبطارية العمر توشك على النفاد !

Exit mobile version