قبل عدة أشهر كتبنا مقالاً بعنوان (أين أنت يا ياسر ميرغني) حينها كان الشاب ياسر ميرغني الأمين العام لجمعية حماية المستهلك قد احتجب اسمه عن الظهور المعتاد محذراً من (بلوة) استهلاكية هنا أوهناك.. أو كاشفاً عن معلومات خطيرة حول ممارسة تجارية أو سلع (ضاربة).. ولم يكن سؤالنا اعتباطياً بل كان مبنياً على معلومات بأن ثمة جفوة حادة قد نشأت بين الجمعية ودوائر رسمية أظنها دوائر نافذة أو متنفذة شوشت على دور جمعية حماية المستهلك وشككت ربما في أجنداتها ..
ولأن الشك يأتي دائماً ضد المشكوك فيه وفي مصلحة الطرف الذي يثير الشك.. واجهت جمعية حماية المستهلك عيناً حمراء من الحكومة.. ربما كانت تلك العين احترازية لكن الإجراءات الاحترازية هذه حجمت دور الجمعية وأضرت بنا كمستهلكين وأثرت على نشاط هذه الجمعية بشكل واضح خاصة بعد غياب منبرها الأسبوعي .
والآن حين طالعت تصريحاً صادراً عن جمعية حماية المستهلك أمس بخصوص فوضى سوق الدواء شددت فيه الجمعية على ضرورة إقالة المتورطين في إهدار موارد الدولة وأعابت على الجهات الرسمية وبنك السودان التأخر في التدخل لحماية المواطن من فوضى الدواء لاحظت أن الجمعية استدعت في هذا التصريح تحذيراتها من مافيا الدواء قبل أربعة أعوام في منتدى المستهلك، فسالت من عيني دمعة افتراضية على وأد الحكومة لمنتدى المستهلك الأسبوعي بلا جرم ولا دم في ذمة هذا المنتدى سوى دماء الغش والخداع التجاري والتطفيف والتلاعب بصحة المواطنين.. هذا المنتدى كان منبراً توعوياً استهلاكياً نظيفاً غير مسبوق في مضمونه ومرجعياته العلمية ودوره الكبير في تنبيه الجهات الرقابية الرسمية لمواضع خلل قد لا ينتبه لها إلا أصحاب الدراية والمعرفة والاختصاص والذين كان منتدى المستهلك يجمع لفيفاً واسعاً ومتنوعاً منهم .
جمعية حماية المستهلك برغم مصادرة منبرها وإيقاف هذا المنتدى لكنها ظلت تواصل دورها بشكل إيجابي وفي حدود إمكانياتها المتاحة علماً بأن دستور ولوائح هذه الجمعية في السودان ومثيلاتها من جمعيات حماية المستهلك في الدول الأخرى تحرم على نفسها تلقي أي أموال من أية جهات أو رجال أعمال أو قطاعات خاصة وليس من حقها بحسب دستورها أن تتلقى تمويلاً إلا من الدولة نفسها ومن الحكومة التي نجحت عصابات الغش التجاري في التشويش على علاقة التعاون بينها وبين الجمعية وزرعت الشكوك عند السلطة فكانت النتيجة هي جفوة وجفاء ومصادرة لمنبرها وشكوك حول أجنداتها وأهدافها .
قلناها قبل عام ونقولها اليوم إن مثل هذا النوع من الجمعيات لو أدركت الحكومة حقيقة دورها الداعم لمسؤولية الحكومة الرقابية لفرشت لها الأرض بالورود وهيأت للناشطين المنخرطين في عملها كل ما يمكن أن يتوفر لهم من حصانة وحماية قانونية وعون على تتبع مواضع الخلل والكشف عنها لحماية المستهلك الذي هو المواطن .
جمعية حماية المستهلك ليست جمعية سياسية معارضة للنظام بل هي جمعية مجتمع مدني معارضة للفساد ومعارضة للغش ومعارضة للتلاعب بالأوزان وبالمواصفات فلماذا تظل بلا منبر حتى يومنا هذا؟ .
عدة سنوات والجمعية بلا منبر ولاحظوا أن ما قامت به من دور توعوي ورقابي في آخر منابرها قبل سنوات لا تزال قضاياه حية مثل قضية سوق الدواء فلك أن تتخيل لو كانت هذه الجمعية ناشطة ومنبرها مستمراً بنفس فعاليته خلال سنوات توقفه كم من القضايا والموضوعات ومواضع الخلل كانت ستكون مكشوفة وكم سلعة غير مطابقة كانت ستحمينا منها.. السيخ المضروب والدواء والطعام والشراب وعبوات الغاز وكل شيء مغشوش سيكون تحت عين إضافية ترى معكم وتساعدكم وتساعد الصحافة وتساعد البرلمان لو كان للبرلمان دور رقابي من الأساس .
مالكم كيف تحكمون .
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.