السؤال الذي ظللت أكرره في كل المجتمعات والتجمعات هو لماذا ترفض المعارضة خارطة الطريق؟.. توصلتُ الى احتمالين فقط لهذا الرفض.. إما أن تكون المعارضة ضالعة في مخطط تقسيم السودان الى خمس دويلات هي: دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، والأوسط، والجنوب الذي انفصل أو أنها تفتقر الى الرأي الثاقب والفهم العميق لمناورات السياسة التي لا تعرف الثوابت والتمترس في المواقف- التمترس في المواقف وتعظيم الثوابت حجب عنها الفهم الصحيح والوجدان السليم في تفسير خارطة الطريق الأفريقية- منطق القوى الرافضة للتوقيع أنها اشترطت على الحكومة تنفيذ مطالب ومستحقات مسبقة حتى تشارك فيه مثل الحريات، وقانون الأمن، والعفو وخلافه.
طيب أولاً: خارطة الطريق والدعوة للتفاوض لم تصدرها الحكومة، بل هي صادرة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لذلك بالضرورة يجب أن ينتفي شرط تنفيذ مستحقات للحوار الوطني الحالي التي وضعتها المعارضة للحكومة.
ثانياً: خارطة الطريق فيها كل ما تطالب به المعارضة في نقاط تعتبر رؤوس مواضيع تتناسب مع شكل ومضمون خرائط الطريق.. نستعرض في إيجاز غير مخل بنود خارطة الطريق وهي سبع نقاط فقط تقول المقدمة: (إن الموقعين أدناه اجتمعوا في أديس أبابا في الفترة من 18 الى 21 مارس 2016 في اجتماع استراتيجي أعدته الآلية الأفريقية رفيعة المستوى بغرض تسريع الخطوات تجاه إنهاء أزمة دارفور والمنطقتين جنوب كردفان والنيل الأزرق)- تواصل المقدمة لتقول (الأطراف الموقعة تؤكد التزامها التام لإنهاء الأزمة في دارفور والمنطقتين ودياً، وتأكيد وصول المعونات الإنسانية للمتأثرين في كل المناطق الثلاث)- الموقعون أدناه يؤكدون مجدداً التزامهم بمبدأ ووجهة النظر التي تقول: (إن شعب السودان يؤمن بضرورة التلاحم في حوار وطني شامل لمخاطبة كل التحديات التي تواجه الوطن)- عليه توافق المجموعات الموقعة أدناه على:
المادة (1) تأكيد التزام الأطراف الموقعة للوصول الى وقف العدائيات المؤدي الى وقف اطلاق نار نهائي دائم- بالنسبة للمنطقتين تكون المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال بالنسبة لدارفور تكون بين الحكومة وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان جناح مناوي.
المادة (2) الاتفاقات التي يتوصل اليها كل الأطراف في أديس يجب دمجها مع اية اتفاقات أو مخرجات حوار أخرى في نفس الشأن، لذلك فإن اتفاقات وقف العدائيات والسلام الدائم الموازية للحوار الوطني يجب أن تشمل المواضيع السياسية المرتبطة بدارفور والمنطقتين.. أما المواضيع السياسية ذات الصبغة القومية تناقش في إطار حوار سوداني شامل.
المادة (3) المهمة وحولها خلاف تقول: (يعترف الموقعون أدناه بالحوار الوطني الذي ابتدره رئيس الجمهورية في أكتوبر 2015على أساس أنه مبادرة يعتد بها، لكن أيضاً يعترف الموقعون أدناه بأن الحوار الوطني الحالي لم يكن شاملاً بالقدر الذي يستوعب الموقعين على خارطة الطريق هذه، وتحديداً العدل والمساواة، وتحرير السودان جناح مناوي، والحركة الشعبية قطاع الشمال، وحزب الأمة القومي.. والفقرة (2) من هذه المادة الثالثة تقول: (عليه اتفق الموقعون على أن تجتمع آلية 7+7 من الحوار الوطني الحالي بصورة عاجلة في أديس أبابا مع الموقعين على خارطة الطريق من المعارضة المذكورة أسماؤهم في الفقرة السابقة، لوضع الخطوات اللازمة لتحقيق هدف شمولية الحوار الوطني.. تلك الخطوات التي تعتبرها المعارضة ضرورية وحيوية).. أليست هذه نقطة كافية لتوضح فيها المعارضة شروطها المسبقة لدعوة الحكومة للحوار- ماذا تريد المعارضة أكثر من ذلك للانخراط أو عدم الانخراط في الحوار.. لماذا ترفض خارطة الطريق هل هو عدم فهم أو سوء فهم؟.
المادة (4) يتفق الموقعون أدناه أن كل التوصيات المتعلقة بمستقبل السودان يجب أن تنبع من حوار وطني شامل حقيقي يضم الأطراف الموقعة على خارطة الطريق- والمادة (4) تواصل لتقول إن مخرجات الحوار الوطني الشامل هذا تكون الأساس لدستور دائم.. هذه هي النقاط الأساسية في خارطة الطريق المكونة من سبع مواد فقط.
من هذا خلصت في دهشة كيف وقعَّت الحكومة على خارطة الطريق والمعارضة رافضة، مصدر الدهشة أن خارطة الطريق سلبت من الحكومة أعز ما أعدته وهو الحوار الوطني الحالي، إذ ذكرت الخارطة في أكثر من بند عدم كفاية الحوار الحالي لحل الأزمة، لأنه غير شامل بل طالبت خارطة الطريق في المادة الثالثة الفقرة الثانية بضرورة حضور آلية الحوار الوطني 7+7 الى ّأديس للجلوس مع الأطراف الممانعة لوضع الخطوات اللازمة لتحقيق هدف الشمولية في الحوار الموازي الجديد..
الأوقع والأصوب أن توقع الأطراف المعارضة على خارطة الطريق حتى تتيح لها هذه الفقرة بسط شروطها التي وضعتها سابقاً للحكومة، وفي هذه المرحلة تكون شروطها تلك محمية بالاتحاد الأفريقي صاحب خارطة الطريق.. كل خارطة الطريق هذه مليئة بالمطبات في طريق الحكومة التي يترصدها المجتمع الدولي ويحيك لها مؤامرات التقسيم.
لماذا كل هذا التدخل القوي من أوروبا وأمريكا لاجبار المعارضة على التوقيع، لأن هذه القوى المعادية للسودان تحمل في حقائبها خططاً لتقسيم السودان عبر إضعاف وتعديل حكم الإنقاذ الحالي، والمعارضة دون أن تدري تفسد عليها خططها حتى أنه قد تضطر هذه القوى الخارجية الخفية لكشف الامتحان للمعارضة حتى توقع.
المنطق يقول إن التردد وعدم التوقيع كان يجب أن يكون من الحكومة، التي اتضح أنها أذكى وأوعى من المعارضة وأكثر تمرساً وخبرة ويقيناً.. لو وقعت المعارضة على نفس خارطة الطريق قبل الحكومة لكان الموقف الآن مقلوباً، لأن الحكومة لن توقع على خطة وخارطة طريق تفككها وتفكك السودان في المدى القريب- كيف لا يكون ذلك صحيحاً والاتحاد الأفريقي عبر مجلس الأمن والسلم الأفريقي يصدر قراره رقم (605) بتاريخ 13 يونيو 2016 يمدد فيه لقوات اليوناميد لمدة عام آخر حتى يوليو 2017 والحكومة تطالبه ببداية سحب اليوناميد.. القرار من 14 مادة- المواد من (1) الى (4) تشير الى القرارات السابقة- المادة (5) ترحب بالمجهودات التي تقوم بها الآلية الثلاثية لمناقشة وتحديد العقبات الاستراتيجية والفنية التي تعوق عمل اليوناميد- المادة (6) تدين استمرار العدائيات ونزوح المواطنين والاعتداء على قوات اليوناميد- المادة (7) تناشد دول الاتحاد الأفريقي الأعضاء والمجتمع الدولي العريض لتقديم الدعم المطلوب والمُلح بغرض تقوية قوات اليوناميد، حتى تتمكن من ممارسة سلطاتها وعملياتها العسكرية لرفع معاناة المدنيين- المادة (8) تناشد كل الأطراف وقف الحروبات.. والمادة (11) تقرر أن الثلاث أولويات الاستراتيجية لليوناميد لم تتحقق.. وهي: حماية المدنيين، وإحلال السلام والأمن والاستقرار، والمصالحة في دارفور.. لذلك قرر مجلس الأمن والسلم الأفريقي تمديد تكليف اليوناميد لمدة 12 شهراً أخرى.
هل بعد كل ذلك ترفض المعارضة التوقيع على خارطة طريقٍ متحاملة على الحكومة، وتم تأكيد هذا التحامل بقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي رقم 605 بتمديد بقاء اليوناميد، والمطالبة بزيادة كفاءتها بالآليات دون الالتفات لطلب السودان بإنهاء مهمتها.
الحكومة قوية متماسكة متمرسة وذكية تعرف في أية مرحلة تعارض خارطة الطريق والحوار المتلازم معها، حتى تخرج من المطبات المعدة لها، ولكن المعارضة أرادت أن تعبر الجسر قبل الوصول إليه.. الحكومة كسبت نقطة عزيزة في مباراة التدخل الدولي، والمعارضة إذا استمرت في موقفها سوف تخسر نقاط المباراة الثلاث.
تقرير:عمر البكري أبو حراز
صحيفة آخر لحظة